ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "سيلستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُحدِّثنا فيه عن معاملة الأفكار في ظل ضيق الوقت.
تأثير النجم وهالة النجم: المتفوق يحصد كل شيء
تأثير النجم هو ظاهرة اقتصادية ينال فيها أصحاب الأداء الأفضل في مجال ما (النجوم البارزون) الحصة الأكبر من الإيرادات على نحو غير متناسب مقارنة بالآخرين الذين يعملون في المجال نفسه، ويبدو أنَّهم يسيطرون على المجالات التي يعملون بها، وتشبه هذه الظاهرة مبدأ 80/20؛ إذ يمكن تفسير 80% من النتيجة بنسبة 20% من الأسباب، هنا تجني نسبة صغيرة من أفضل اللاعبين 80% من المكافآت؛ أي إنَّ المتفوق يحصد كل شيء.
إذا ألقيت نظرة على الرياضة أو مهنة التمثيل على سبيل المثال ستجد أنَّ قلة قليلة جداً من اللاعبين والممثلين هي التي تتصدر المشهد وتكسب أعلى الإيرادات، في حين أنَّ البقية بالكاد يتحصلون على إيرادات تؤمن لهم أساسيات الحياة.
لتأثير النجم (The Superstar Effect) عدة أسباب، منها:
- عندما يكون لدى الناس الخيار فهم بلا شك سيختارون الأفضل والأول في مجاله، ليس الثاني ولا الثالث؛ على سبيل المثال إذا أردت حضور حفل الأوبرا فإنَّك ستحجز لحضور حفل أفضل مغني أوبرا، وليس ثاني أفضل مغني أوبرا، إذا كان أحد أحبائك يعاني مرض القلب فإنَّك ستبحث عن أعظم جراح قلب في العالم، وليس عمَّن يُقال عنه خبرة.
- يهتم الناس بمتابعة الشخص الأفضل في مجاله؛ لأنَّ هذا الشخص يجسد كل ما يمكن رؤيته ومعرفته عن مجاله؛ أي إنَّه يصبح أيقونة ومرجعية تتعلم منها، مثل مايكل جوردان (Michael Jordan) في لعبة كرة السلة، وستيف جوبز (Steve Jobs) في عالم التكنولوجيا.
- مع أنَّه ليس سبباً مباشراً فقد سرَّعت التكنولوجيا تأثير النجم وعززته؛ على سبيل المثال في عالم الموسيقى استحوذ أعلى 5% من حاصدي الإيرادات (النجوم البارزون) على 62% من عائدات الحفلات الموسيقية في عام 1982 و84% في عام 2003.
يرجع جزء من السبب إلى أنَّ التكنولوجيا مثل آي تونز (iTunes)، ووسائل التواصل الاجتماعي سمحت لتأثير الفرد وعمله بالانتشار على نطاق أوسع، وبسرعة أكبر، وبتكلفة أقل من ذي قبل، عندما تجد أنَّ موسيقيين مثل كاتي بيري (Katy Perry) وجاستين بيبر (Justin Bieber) وتايلور سويفت (Taylor Swift) لديهم أكبر عدد من المتابعين على تويتر (Twitter) في العالم اليوم (61 مليون و58 مليون و48 مليون على التوالي ابتداءً من كانون الأول/ديسمبر 2014)، يسهل عليك فهم السبب.
هالة النجم (Superstar Halo): النجاح في جانب واحد يؤثر في جوانب أخرى
يؤدي تأثير النجم لاحقاً إلى ما أسميه هالة النجم؛ أي إنَّ نجاح المرء في جانب ما يؤثر تأثيراً إيجابياً مباشراً في جوانب أخرى من حياته المهنية.
على سبيل المثال بدأ جاستن تمبرليك (Justin Timberlake) الغناء في فرقة إن سينك (NSYNC) حظي بشهرة عالمية، ثمَّ انتقل إلى التمثيل، ويتمتع الآن بنجاح هائل بصفته مغنياً وكاتب أغانٍ وممثلاً، وقد كسب 57 مليون دولار في عام 2014 وحده.
كذلك عائلة الكارداشيانز (Kardashians) التي برزت في مسلسلات تلفزيون الواقع الخاصة بها، ثمَّ حالفها النجاح في كل مجال آخر تقريباً (من عروض الأزياء، إلى تجارة الأزياء، ومستحضرات التجميل، والعطور والكتب وتطبيقات الهاتف المحمول).
كما أنَّه لا يمكن إنكار أنَّ كل واحد من هؤلاء قد عمل بجدٍّ لإطلاق مشروعه أو مهنته الجديدة، فإنَّه لا يمكن أيضاً إنكار أنَّ نجاحهم السابق ساعد على تمهيد الطريق لنجاح مشاريعهم المستقبلية؛ لهذا السبب يبدو أنَّ النجاح يحالف هؤلاء في أي مجال يعملون به، ربَّما لأنَّ لديهم عدد كبير من المتابعين من نجاحهم الأول، أو على الأقل لأنَّهم أسسوا مستوى معيناً من الشهرة والمصداقية، واستفادوا من هذا النجاح لتحقيق نجاح أكبر في جانب آخر من حياتهم المهنية.
4 تداعيات لتأثير النجم وهالة النجم:
- مهما فعلت سيحصل المتفوق في مجالك على كل شيء، إن لم تعمل بجد لتكون متفوقاً في مجال تخصصك فإنَّك لن تحصل على الكثير، هذا إن حصلت على أي شيء.
- تعدد المهام يبطئ نجاحك في أي شيء، فتصبح متعدد المهارات؛ لكنَّك لا تتقن أياً منها؛ لأنَّك مشغول باستمرار في عدة مهام دون التفوق في أي منها.
- قد يوهمك القيام بمهام متعددة أنَّك تحرز تقدماً كبيراً؛ لكنَّك في الواقع تنجز أقل مما لو كرست وقتك لمهمة واحدة فقط، فإن ركزت على مهمة واحدة وأحسنت القيام بها ازدادت فرصك في النجاح.
- عندما تحسن القيام بمهمة واحدة فإنَّك ستحسن القيام بالمهام الأخرى تلقائياً؛ لأنَّك تقف الآن على منصة النجاح، ربما لا تنتقل مباشرة من النجاح الأول إلى نجاح آخر (سيظل من الضروري بذل الجهد في مشاريع أخرى)، ولكن سيكون من الأسهل نسبياً الآن التفوق فيها، مقارنةً بمحاولة فعل كل شيء في وقت واحد منذ البداية، وهذا يرجع إلى تأثير نجاحك الأول في نجاحاتك الأخرى.
شاهد بالفيديو: كيف تكون منظماً لتتحكّم بيومك كما تريد؟
5 خطوات لتحقيق أفضل النتائج:
مهما كثرت أفكارك وأهدافك لا يهم بأي واحدة منها تبدأ ما دمت ستختار واحدة تحب القيام بها، وتتابعها بأقصى سرعتك، وتلتزم بها حتى تحقق الإتقان والنجاح (هذا بافتراض أنَّ هذه الأفكار والأهداف تُصنَّف ضمن أهم الأولويات)؛ هذا لأنَّك عندما تُلزم نفسك بمهمة واحدة كبيرة وتُحسن القيام بها فإنَّك تحصل على مكافآت هائلة وتصنع تأثيرات هالة إيجابية تمهد الطريق لنجاح أسهل في أهدافك الأخرى، مثل رائد الأعمال الناجح الذي يحقق نجاحاً باهراً في شركته الناشئة ويستثمر في النهاية هذا النجاح لإنشاء المزيد من الشركات الناشئة الناجحة، ويصبح مستثمراً ناجحاً، ويقدم المنتورينغ للآخرين، وفي النهاية بصرف النظر عن المشروع الذي تختاره ستصل إلى الرؤية النهائية المثالية نفسها لإنجاز كل شيء في قائمتك.
من ناحية أخرى إنَّ محاولة القيام بكل شيء دفعة واحدة وإتقان كل شيء في الوقت نفسه لا طائل منه؛ بل يزيد الفوضى والإلهاء أكثر من أي شيء آخر، لاحظ عندما أقول شيئين إلى ثلاثة أشياء فإنَّني أعني مشروعين إلى ثلاثة مشاريع مختلفة تماماً تستهلك قدراً كبيراً من مواردك (مثل تأليف كتاب، وإطلاق مدونة جديدة تماماً، وتنظيم دورة تدريبية جديدة، كلها في الوقت نفسه)، وليس مهمتين إلى ثلاث مهام صغيرة لا تستهلك كثيراً من وقتك.
شخصياً وجدتُ أنَّ محاولة القيام بأمرين أو ثلاثة أمور دفعة واحدة عملية مرهقة ومشتتة للانتباه، كما أوضحت في بداية المقال، عندما تعامل ثلاثة مشاريع كبيرة تتطلب اهتمامك الكامل عليك أن تنتقل باستمرار من مشروع إلى آخر فتكون النتيجة الحيرة والتشتت على عكس النتيجة الرائعة التي ستحققها فيما لو وجَّهت طاقتك كلها إلى مشروع واحد وكرست قوتك ومواردك كلها له.
تُصمَّم الطائرات برأس واحد لكل منها، وليس برأسين أو ثلاثة رؤوس؛ لأنَّ هذا هو التصميم الأكثر انسيابية الذي يخترق مقاومة الهواء، يستطيع ضوء الليزر أن يخترق الفولاذ من خلال إنتاج ضوء ليزر بطول موجة دقيق وتركيزه على منطقة واحدة محددة؛ وبذلك ينصهر حتى أقوى الفولاذ تحت هذه القوة الشديدة.
حسب قانون الفيزياء أنت تحصل على أكبر قدر من الضغط عند تطبيق القوة نفسها على أصغر وحدة مساحة (القيام بشيء واحد)، وليس على أكبر وحدة مساحة (القيام بأشياء متعددة في الوقت نفسه).
إذا كنت في حالة تغير مستمر وتنتقل من شيء إلى آخر فإليك توصيتي:
الخطوة الأولى: تبسيط قائمة مهامك
معظم الناس لديهم قوائم مهام طويلة مليئة بالمهام غير الهامة حتى أنَّ القيام بها على أحسن وجه لن يحدث أيَّ فرق في حياتهم بعد أسبوع أو شهر أو عام؛ لذا اختزل قائمة مهامك إلى أهم الأساسيات، واحتفظ بـ 20% من نشاطاتك عالية التأثير، وتخلص من 80% من نشاطاتك منخفضة التأثير إن أمكن، وإلا اقضِ الحد الأدنى من الوقت في إنجازها.
الخطوة الثانية: اختيار هدف واحد فقط
بناءً على 20% من مهامك عالية التأثير اختر هدفاً واحداً تحبذ تحقيقه أولاً، ويماشي رسالتك الشخصية تماماً، إذا كنت شغوفاً بالقدر نفسه تجاه أهدافك كلها فما عليك سوى اختيار أحدها، وإذا كنت ترغب في إنجاز مشروعين أو ثلاثة مشاريع يمكنك ذلك، ولكن احرص أن يكون الجزء الأكبر من طاقتك - على الأقل 60%-70% - مخصصاً لهدفك الأساسي الأبرز، وامتلاك درجة معينة من التركيز ضروري لتحقيق نتائج سريعة.
قد تبدو أنَّك تتخلى عن جميع الأولويات الأخرى، لكن اعلم أنَّ تركيزك على أبرز أهدافك يعني أنَّك تلقائياً تحرز تقدماً في أولوياتك الأخرى أكثر مما تتخيل.
شاهد بالفيديو: 20 مثالاً على الأهداف الشخصية الذكية لتحسين حياتك
الخطوة الثالثة: التركيز على الهدف الوحيد الذي اخترته وتوجيه كل طاقتك إليه
الآن أولويتك هي تحقيق أقصى قدر من النجاح في هدفك المحدد في أسرع وقت ممكن؛ كي تحقق تأثير النجم، بعد ذلك يمكنك استثمار هذا النجاح في جوانب أخرى من حياتك بفضل هالة النجم (Superstar Halo).
الخطوة الرابعة: بعد إحراز تقدُّم في الهدف الأول، انتقل إلى الهدف الثاني
بعد أن أحرزت تقدماً كبيراً في هدفك الأول لا بد أنَّك أنجزت بعض المهام الأخرى في قائمتك في أثناء هذه العملية، في هذه المرحلة راجع أهدافك واختر الهدف الكبير التالي الذي تريد تحقيقه، كرر الخطوة الثالثة للهدف الثاني.
في أثناء سعيك إلى تحقيق الهدف الثاني لا تهمل هدفك الأول؛ فهو هدفك الجوهري ويجب أن يكون دائماً أبرز أولوية لديك، وإن تعثَّرَ هدفك الأول توقف عن متابعة هدفك الثاني، وارجع إلى هدفك الأول، أعد الأمور إلى نصابها وابنِ أساساً متيناً، ثمَّ انتقل إلى الهدف الثاني.
الخطوة الخامسة: تكرار العملية من أجل أهدافك الأخرى
بمجرد تحقيق تقدم كبير في الهدف الثاني يمكنك الانتقال إلى أهداف أخرى، عامل أهدافك دائماً واحداً تلو الآخر؛ أي انتقل إلى الهدف الثالث فقط عندما يكون الهدف الثاني في مكانه الصحيح، ثم انتقل إلى الهدف الرابع فقط عندما يكون الهدف الثالث في مكانه الصحيح، وهكذا دواليك، وتخيل الأمر مثل طبقات الطوب؛ إذ لا يمكنك وضع لبنة جديدة إلا بعد أن تكون اللبنة السابقة في مكانها الصحيح.
مرة أخرى، إذا تعثر هدف سابق في أي وقت فارجع إليه حتى تعيده إلى مكانه الصحيح، ثم عد إلى آخر هدف تسعى إلى تحقيقه، وبذلك ستجد أنَّك تحقق النتائج على نحو أسرع بكثير مما لو كنت تجتهد وتبذل جهوداً مضنية لإنجاز مهام متعددة في آن واحد.
إقرأ أيضاً: كيف تجعل هدفك أمراً مُسلَّماً به؟
في الختام:
ترتيب الأولويات هو أهم ما في الأمر، فاختر دائماً المهام الهامة، ولا تشغل وقتك في المهام الصغيرة التي يمكن تأجيلها أو تفويضها، وحاول دائماً تحقيق نجاح أولي لتحصل على تأثير النجم الذي يقودك بدوره إلى هالة النجم؛ وبذلك تتوالى النجاحات وتصبح متفوقاً في مجال عملك.
أضف تعليقاً