لطالما سمعنا هذه الجمل وغيرها الكثير من الجمل الدالة على وجود حالة من الذعر والخوف المجتمعي من مسألة العين والحسد، فقد شُوِّهت قيم الصدق والوضوح وتُرِك المجال لقيم الشك والخبث وسوء الظن بالظهور والانتشار.
يتعامل الناس اليوم بالكثير من السلبية مع قيمة الصدق، فينظرون إلى الإنسان الصادق على أنَّه شخص ساذج وغبي ويُعرِّض نفسه للكثير من المخاطر في حياته، فلا يدري معظم الناس أنَّ الصدق قوة حقيقية وأنَّه الغاية الأسمى في الحياة، وأنَّ الله يبارك الصادقين وذوي النية السليمة.
من جهة أخرى، يُعظِّم معظم الناس قيمة الآخرين، فيعطونهم أهمية مطلقة وينسبون إليهم امتلاك طاقات خارقة وقدرات تدميرية خطيرة، متناسين تماماً وجود الله، ومتجاهلين قدرتهم على تحصين أنفسهم من أية طاقة سلبية تأتي إليهم من الآخرين.
العين والحسد؛ مدار حديثنا في هذا المقال.
ما هي العين والحسد؟
يوجد للحسد نوعان؛ أحدهما إيجابي والآخر سلبي؛ أمَّا النوع الإيجابي فيعني تمنِّي شخص ما الحصول على مظاهر الحياة الموجودة لدى شخص آخر، كأن يتمنَّى حصوله على منزل مشابه لمنزل الآخر، أو يتمنَّى حصوله على علاقة زواج شبيه بعلاقة زواج الآخر الناجحة، ويطغى على الحسد الإيجابي مشاعر من الغبطة والسرور لوجود نموذج ناجح في الحياة، بحيث يتمنى الإنسان التماهي مع هذا النموذج، والسعي إليه بخطوات فعلية.
أمَّا الحسد السلبي فيطغى عليه مشاعر من الغل والضيق والنية الخبيثة والسيئة، بحيث يتمنى الشخص زوال النعمة والبركة لدى الشخص الآخر، كأن ينخفض مستوى نجاحه في الحياة كثيراً.
أمَّا مسألة العين فهي طاقة سلبية يصدرها شخص ما باتجاه شخص آخر، نابعة من جنونه وغضبه وغيرته من ظروف حياة الطرف الآخر، وتؤثر العين في الطرف الآخر إن لم يكن محصِّناً نفسه بالشكل الصحيح.
كيف تُحصِّن نفسك من العين والحسد؟
1. المعيار:
عليك أن تسأل نفسك: "لماذا تسيطر عليك مسألة العين والحسد إلى هذا الحد؟"، "هل أنت عاجز أمام عين الآخر الخبيثة أو طاقة الحسد السلبية التي يبثها؟"، إذاً فأنت تصنع رعباً اسمه "العين والحسد" في حين أنَّها مسألة في غاية السخف، فلا يستطيع شخص على كوكب الأرض إيذاءك إلَّا إذا سمحت له بذلك.
ففي اللحظة التي تخاف فيها من الحسد والعين؛ فأنت ترسل رسالة إلى الكون مفادها "أنا ضعيف، والآخرون أقوى مني، فأنا مصيدة سهلة في يد الآخرين"، عندها ستجذب كل الأحداث السلبية إلى حياتك، أمَّا في حال وعيك بأنَّك محمي تماماً بعناية الله ورحمته وحكمته، وبأنَّك واثق من أفعالك الخيِّرة والإيجابية؛ فعندها ستعمل على تكبير قيمة الله في قلبك، وقيمة ذاتك، وتصغير طاقة الحسد والعين، ومن ثم ستنعم براحة البال والسعادة.
2. اكتشاف التناقض:
رُوِي عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قد قال: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإنَّ كل ذي نعمة محسود"، نلاحظ أنَّ هناك تناقض ما بين الحديث والآية الكريمة "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ"، فهذا يدل على عدم صحة نقل الحديث، فلا يمكن أن يكون هناك تناقض ما بين كلام الله وكلام رسوله.
من جهة أخرى، إنَّ جملة "إنَّ كل ذي نعمة محسود" غير منطقية؛ وذلك لأنَّه لا يوجد بشري على وجه الأرض لا يملك نعمة، مثل: نعمة النظر، السمع، الوعي، العائلة، الصدق، المشي، وما إلى ذلك، فهل من المنطقي أنَّ جميع البشر على وجه الأرض محسودون وسوف ينالون نتائج كارثية في حياتهم؟ الأمر الذي يؤكد ضرورة الإعلان والإفصاح عن نِعم الله عليك، وذكر طرائق الوصول إلى النعم والوفرة من خلال الوثوق بالله وبقدراتك وشغفك وذلك لكي تكون قدوة لغيرك من البشر، فتحفِّزهم على العمل والسعي إلى الوصول إلى أهدافهم.
3. التركيز:
يقول أغلب البشر "كيف لنا ألَّا نخاف من العين والحسد وقد ذُكِروا في القرآن الكريم؟ والسؤال هنا: "ألم تُذكَر الرحمة في القرآن الكريم، والرزق، وحسن الظن، والنعم؛ فلماذا إذاً التركيز على العين والحسد فقط؟"، غيِّر مجال تركيزك لتتغير حياتك، فأنتَ ما تركِّز عليه.
4. التحدي:
تحدَّ نفسك واختبر مشاركة الآخر بكامل الأحداث الإيجابية الحاصلة في حياتك، وفي حال لاحظت حدوث أمر سلبي معك؛ فهذا يعني أنَّك ما تزال خائفاً من قضية العين والحسد، وعليك تقوية إيمانك وثقتك بالله وبمقدار حمايته وثقتك بذاتك وقوَّتك على قهر الطاقة السلبية الصادرة من الآخرين.
شاهد بالفديو: أعراض الإصابة بالعين والحسد وعلاجها
5. الأمان:
اعلم أنَّ الله حافظ لك، فلا يوجد أكبر من رحمة وكرم وحماية الله عز وجل، قال تعالى: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ" إشارة إلى الملائكة التي يرسلها الله لحماية الإنسان وتحصينه، وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ}، وقال تعالى: {إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}.
6. الشكر:
استشعر نِعم الله عليك واشكره عليها ليل نهار، فكلما شكرت؛ ازدادت النعم عليك وعَظمت، ومن ثم استشعرت الراحة النفسية والرضا والقوة، وابتعدت عن طاقة الخوف والرعب من العين والحسد ومن الآخرين.
7. نسف التعلق:
لا تكن متعلقاً في قشور الحياة ومادياتها، فاعلم أنَّك مَن تصنع الماديات وليست هي مَن تصنعك، وتأكَّد أنَّ غاية وجودك أعمق بكثير من مجرد اكتناز الماديات والخوف الشديد عليها؛ لذا قل لنفسك: "ما هو أسوأ سيناريو ممكن أن يحصل في حال تأثَّرت بطاقة الحسد والعين؟" هل هو أن أخسر منزلي، وماذا إذاً، فليكن، فأنا غني بالله، وليس بالمنزل، والخالق الذي يسَّر لي امتلاك هذا المنزل؛ قادر على تيسير منزل آخر لي وثالث ورابع وعاشر.
يمنحك هذا النمط من التفكير هدوءاً نفسياً واطمئناناً لا يُقدَّر بثمن، وستزول مشاعر الخوف والرعب من فقدان القشور وستتأكَّد أنَّ قيمتك لا تتحدَّد بمقدار ما تمتلكه من ماديات وعقارات ومجوهرات؛ بل بمقدار ما تصنعه من منفعة وقيمة في هذا الكون، وبمقدار ما تنشره من قيم إنسانية ورحمة وصدق وعفوية بين أشخاص هذا الكون.
في الختام:
كبِّر الله في داخلك، وكبِّر ثقتك به وحمايته لك، وعندها سيصغر كل شيء عداه، وستغدو متحرراً من كل القشور والشكليات والماديات التي تفرضها طبيعة الحياة الاستهلاكية وطبيعة البشر الآخذة بالتوحش والبعد عن الإنسانية.
أضف تعليقاً