الأوقات الصعبة لا تدوم، لكنَّ الأشخاص الأقوياء باقون:
قال الكاتب التلفزيوني روبرت إتش شولر (Robert H. Schuller) ذات مرة: "الأوقات الصعبة لا تدوم، لكن الأشخاص الأقوياء باقون"، كان رودولف وجولياني عمدة مدينة نيويورك من 1994 إلى 2002، واستطاع إظهار مهاراته القيادية المذهلة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 على مدينة نيويورك.
في ذلك الوقت كانت شعبيته تتضاءل؛ ولكنَّ الهجمات الإرهابية على برجي مركز التجارة العالمي سلطت الضوء على قوته وإمكاناته وشخصيته؛ فقد أعاد القوة والاستقرار لمدينة نيويورك بقيادته الحكيمة عندما كانت المدينة تغمرها حالة من عدم اليقين، وواجه الأزمة مواجهة مباشرة دون أن يفقد حكمته وطمأن الجمهور من خلال بناء الثقة معهم، وقال: "في أوقات الأزمات يظهر قادة جيدون".
يحدد جولياني ست مهارات للبروز بوصفه قائداً عظيماً، وهي المعتقدات الراسخة والتفاؤل والشجاعة والاستعداد والتأكيد على العمل الجماعي والتواصل بوضوح؛ إذ يجب أن يكون القادة على استعداد لمواجهة أيَّة أزمة قد تحدث، سواء كانت على شكل هجوم إرهابي أم كارثة طبيعية أم إهمال داخل النظام أم حوادث صناعية.
قد يؤدي الفشل في السيطرة على الأزمة بسرعة إلى الإضرار بمصداقية المنظمة وحسن نيتها؛ فعندما تواجه أزمة، كن جزءاً من الحلِّ وليس جزءاً من المشكلة، وبالطبع من الصعب جداً تذكر هذه النصائح في خضم الأزمة كما قال الممثل المشهور مايكل كين (Michael Caine): "كن مثل البطة، هادئ على السطح، ولكن تجدف باستمرار في العمق".
لذا عند التعرض لأزمة، خذ نفساً عميقاً، وراجع المشكلة بالتفصيل، وركز على الصورة الكبيرة، وابحث عن حلول بديلة، واختر أفضل الحلول، ونفذها بفاعلية، وتذكَّر أنَّ جميع الإجراءات قد لا تحقق النتائج المرجوة، وكن مستعداً للفشل؛ فعندما تتصرف بحكمة ستجد حلاً لمشكلاتك، وفي الوقت نفسه أعدَّ أكثر من خطة بديلة لتسيطر على الشعور بعدم اليقين، وفي الواقع يقدم بعض القادة أداءً جيداً في أثناء التوتر والأزمات؛ إذ تُبرز الشدائد أفضل ما لديهم عندما يؤدي التوتر إلى نتائج إيجابية، يُعرف باسم التوتر الإيجابي (eustress).
شاهد بالفديو: أقوال وحكم تساعدك على تجاوز الأوقات الصعبة
أهمية البقاء هادئاً في أوقات الاضطرابات:
يجب أن يتحكم القادة بمشاعرهم من الغضب والإحباط، وأن يظلوا هادئين تحت الضغط، ويجب أن يُنظر إليهم على أنَّهم يحلون المشكلات في أوقات الاضطرابات بدلاً من أن يكونوا أشخاصاً يشتكون فقط؛ فالبقاء هادئاً في أثناء الاضطرابات سيساعدك على الخروج بحلول مختلفة.
تتطلب بيئة الأعمال العالمية الحالية ليس القادة الهادئين فقط، ولكن أيضاً القادة الأقوياء؛ فعندما تكون الأوقات جيدة يمكن لأيِّ شخص أن يتولى القيادة، ولكن عندما تحدث الأزمات، يبرز القادة والرؤساء التنفيذيون الحقيقيون لحلِّ المشكلات، وأبراهام لنكولن هو مثال مناسب لقائد قاد أمريكا (America) في الأوقات المضطربة.
عندما واجهت أمريكا تحديين؛ وهما العبودية والحرب الأهلية، أظهر لينكولن الذكاء في قيادته من خلال إدارة أصحاب المصلحة جميعها - ومن ذلك منافسيه السياسيين - إدارة فعالة لإلغاء العبودية وضمان وحدة أمريكا، ولهذا السبب يتطلع معظم القادة إلى لينكولن كلَّما واجهوا تحديات قيادية بصرف النظر عن أيديولوجياتهم السياسية ودولهم.
الكتاب عن أبراهام لنكولن "فريق المنافسين: العبقرية السياسية لأبراهام لينكولن" (Team of Rivals: The Political Genius of Abraham Lincoln) للكاتبة دوريس كيرنز غودوين (Doris Kearns Goodwin)، يصف كيف يتواصل لينكولن مع الناس، ويصف الكتاب كيف جلب إلى حكومته أشخاصاً يعارضونه، ومن ذلك ثلاثة معارضين لترشيح الحزب الجمهوري، والذين اعتقدوا في الغالب أنَّ لينكولن كان رئيساً ضعيفاً، ومع ذلك نجح في غضون ثمانية أشهر إلى عام في جعل هؤلاء الناس يسعون ليكونوا مثله.
تحول خصومه إلى حلفاء؛ لأنَّه كان يتمتع بالثقة والحكمة للتعاون مع أفضل الأشخاص، وهذه قصة ملهمة؛ إذ يمكن أن يكون الجمع بين وجهات نظر الأشخاص من خلفيات مختلفة ووجهات نظر وتوقعات مختلفة مصدراً للتميز في سوق العمل؛ إذ ينظر معظم الرؤساء الأمريكيين إلى أبراهام لنكولن كلَّما واجهوا تحديات سياسية.
على الرَّغم من وجود رئيسين بارزين آخرين أيضاً في قيادتهما في الأوقات المضطربة؛ وهما: جورج واشنطن (George Washington) وفرانكلين ديلانو روزفلت (Franklin Delano Roosevelt)، إلا أنَّ لينكولن كان قائداً ملتزماً ومتفانياً وتعلم دروساً مريرة طوال حياته في الغالب من إخفاقاته المتتالية قبل أن يشغل المنصب بوصفه أول رئيس جمهوري والرئيس السادس عشر لأمريكا؛ ولذلك يجب أن يقتدي الرؤساء التنفيذيون بقيادة لينكولن.
في الختام:
يظهر القادة الحقيقيون في الأوقات المضطربة، وتظهر مهارات القيادة الحقيقية في أثناء الأزمات، والقادة الذين يفشلون في الارتقاء إلى المستوى المطلوب في أثناء الأزمة لن ينجحوا أبداً بوصفهم قادة؛ فالاضطراب ليس تهديداً؛ بل فرصة لاختبار نفسك ومساعدة الآخرين على إحداث فرق بأدائك؛ فكلُّ تحدٍّ هو فرصة للنمو؛ لذا عندما تواجه تحدياً ستقدم أفضل ما لديك وستعمل عملاً جيد، وستشعر بارتياح كبير عندما تنتصر على الأوقات المضطربة؛ إذ تتطلب الأوقات الصعبة اتخاذ قرارات صعبة وسريعة، ويجب أن يكون الرؤساء التنفيذيون على استعداد جيد لمواجهة الأوقات الصعبة لضمان الاستقرار والفاعلية التنظيمية.
أضف تعليقاً