اكتشفت منذ عام 2012 طرائق عديدة لتطوير عاداتي، لقد بدأت بممارسة الجري، وحسَّنت نظامي الغذائي تحسيناً كبيراً، واستطعت التركيز بما يكفي لتأليف كتبٍ حققت مبيعات عالية، وقد ساعدني فهم آلية عمل العقل، وكيف يمكن استخدامه لتعديل سلوكي اليومي على تحقيق مكاسب رائعة، مع ذلك كان لدي هدف واحد استعصى عليَّ على الرَّغم من بذل أفضل الجهود لتحقيقه، وهو الالتزام بالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية.
لطالما كرهت رفع الأوزان، وأكره الإجهاد والتعرُّق والتعب، أكره كلَّ شيء يتعلق ببذل الجهد للحصول على جسم أفضل، ومن الطريف أنَّ الشيء الذي أحبه في التمرينات الرياضية هو الحصول على النتائج إذا كان ذلك ممكناً طبعاً دون بذل الجهد.
لا يعني هذا أنَّ ممارسة الرياضة هي الأهم فيما يتعلق بالصحة البدنية؛ بل إنَّ التأثير الأكبر هو للنظام الغذائي فيما يتعلق بالحفاظ على وزن صحي، لكن لأنَّني تمكنت فعلاً من إجراء تغيير جذري على نظامي الغذائي، ولم يعد تناول الطعام الصحي أمراً صعباً بالنسبة إلي؛ فقد قررت أن أصل في هذا التحدي إلى مستوى متقدِّم وألتزم بممارسة الرياضة.
لماذا كان من الصعب عليَّ جداً العمل على هذا الهدف؟ فإذا استطعت التعرُّف إلى طريقة للفوز في هذا التحدي، فربما سأمتلك المنظور اللازم للتغلُّب على صعوبات أخرى وتحقيق مزيد من الأهداف.
الفرق بين العادات والروتين:
يبدو أنَّ العادات تنتشر في كلِّ مكان، وما يدلُّ على ذلك كثرة الكتب التي تتحدث عن تغيير العادات، ناهيك عن المنشورات والتطبيقات والمدونات التي لا حصر لها، والتي تقدِّم لك طرائق عن البدء بروتين جديد من خلال استثمار قوة العادات.
مع ذلك، فإنَّ معظم هؤلاء الكتُّاب والمؤلفين وعلى الرَّغم من حُسن نواياهم، إلا أنَّهم يبالغون في وعودهم، ويقدِّمون العادات بوصفها وسيلة لحلِّ المشكلات التي يصعُب حلُّها.
إذاً لنبدأ بتعريف العادات، وفقاً للدكتور بنيامين جاردنر (Benjamin Gardner)، وهو عالم نفس يركِّز في أبحاثه على العادات في كلية "كينكز لندن" (King’s College London)، فإنَّ العادات تؤدي دورها من خلال توليد الحافز للقيام بسلوك مع قليل من التفكير الواعي أو حتى دون أيِّ تفكير.
نجد من هذا التعريف أنَّ العادات هي التي تعلِّم الدماغ أن يقوم بالإجراء بطريقة تلقائية، يمكن الاستفادة من هذه الخاصية، لكن يجب أن نعلم أنَّ بعض السلوكات فقط يمكن تحويلها إلى عادات؛ إذ إنَّ تبني عادة هو أمر بسيط إلى حدٍّ ما، وما عليك سوى تذكُّر الدافع بما يكفي لتحويل النشاط إلى عادة، ويجب أن يكون لديك سبب وجيه وتتذكَّره يومياً، ومارس السلوك بأبسط الطرائق الممكنة واحرص على المثابرة عليه.
مثلاً، لنفترض أنَّك تريد أن تلتزم بنظام غذائي صحي، يمكنك التخلص تماماً من كافة الوجبات غير الصحية الموجودة في ثلاجتك، وتناول الطعام الصحي نفسه في كلِّ صباح، سيصبح النظام الغذائي الصحي عادةً راسخة، ولقد أخذت قراراً حاسماً بالعناية بنوعية الطعام الذي أتناوله، ومع ذلك إذا كان السلوك يتطلب درجة عالية من الإرادة والجهد والتفكير، فهو لم يتحول بعد لعادة، وعلى الرَّغم ممَّن يروج للعادات على أنَّها حلول سحرية تمكننا من القيام بشيء يصعُب علينا القيام به، يؤسفنا أن نقول إنَّ هذا يشبه دس السم بالعسل.
كلُّ أنواع المهام ليست عادات، ولن تكون كذلك أبداً؛ وذلك لأنَّ تعريف العادات ينفي عنها أن تكون نشاطات تتطلب قدراً كبيراً من الجهد البدني والفكري، إذاً السلوكات التي تتطلب العمل الشاق والإجراءات المدروسة من غير المُحتمل أن نكون قادرين على تحويلها إلى عادات، فعلى سبيل المثال على الرَّغم من أنَّني أخصِّص وقتاً لها يومياً، إلَّا أنَّ الكتابة ليست عادة بالنسبة إلي؛ فالكتابة إذاً عمل شاق.
إذا انتظرت الشعور بالحافز من أجل الكتابة، فلن أكتب أبداً، ولكي أتحسَّن في هذا النشاط فإنَّ هذا يتطلب تركيزاً وجهداً منظماً لتحويل الكلمات إلى جمل ذات مغزى والانتقال من عملية التفكير في النص إلى عملية التشكيل اللغوي.
بالمثل، فإنَّ رفع الأثقال ليس عادة، طالما أنَّ تحسين قوتي البدنية يتطلب جهداً؛ لذلك إذا لم تكن هذه الأنماط من السلوك تشكِّل عادات، فماذا يمكننا أن نعدَّها؟ ببساطة إنَّها روتين، والروتين هو سلسلة من السلوكات التي تُمارس بانتظام، وهذه السلوكات المُنتظمة لا ترتبط بمدى شعورنا بالرغبة من عدمه، هي مهام أو نشاطات فقط يجب القيام بها؛ لذلك بدأت بالتفكير في كيفية تأسيس روتين جديد بدلاً من عادات جديدة.
الآن لنعد إلى جوهر هذه التقنية، وهو تحديد الهدف.
الجهد أو الاحتراق، التقنية الأصعب لتحقيق الأهداف:
قبل أن أستعرض أمامكم أيَّ تقنية فقد عودت نفسي على الذهاب بانتظام إلى صالة الألعاب الرياضية؛ لذلك يجب أن نوضِّح بعض الأمور، بدايةً، هذه التقنية بقدر فاعليتها، إلا أنَّها مصحوبة بمحاذير عديدة؛ إنَّها طريقة فعَّالة جداً لجعلك تقوم بعمل روتيني؛ لكنَّها لا توفِّر أيَّ ضمانات تجنِّبك القيام بالأمر بطريقة خاطئة مراراً وتكراراً.
أي إنَّ مسؤوليتك في البداية هي تحديد الهدف الصحيح أولاً، فإذا حدَّدت هدفاً خاطئاً فلن تكون النتائج إيجابية؛ أي إنَّك إذا كنت تفعل شيئاً ذا نتائج سلبية فإنَّ هذه التقنية ستجعلك تكرِّس هذا السلوك وتحصل على مزيد من هذه النتائج، على سبيل المثال، لن يساعدك القيام بعدد كبير من تمرينات المعدة إذا كنت تشرب كثيراً من المشروبات الغازية السكرية أيضاً؛ بل قد يؤذيك أيضاً.
ثانياً، هذه الطريقة ليست جيدة لحث الآخرين على فعل شيء ما؛ إنَّها للاستخدام الشخصي فقط.
ثالثاً، هذه ليست الطريقة الوحيدة التي يمكنك استخدامها، توجد طرائق أخرى، لكنَّ هذه الطريقة هي من الطرائق التي تهدف إلى إجراء التغيير بعنف وبسرعة، أمَّا إذا كنت ترغب في التغيير من خلال تبني السلوك تدريجياً، فنحن نوصي بتجربة تقنية مختلفة.
من هذه الطرائق إيجاد البدائل الممتعة، وبوصفه مثالاً بسيطاً قد تجد أنَّ الجري ممارسة مرهقة وأنت لا تحبها، فتقوم باستبدالها بالمشي، وتجد أنَّه ممتع، لكن بعض النشاطات لا يمكن استبدالها ولا غنى عنها؛ لذلك لا بديل عن هذه التقنية، تتطلب هذه السلوكات الاجتهاد والعزيمة والعمل الجاد والمثابرة، وهنا سنستخدم تقنية "الجهد أو الاحتراق".
شاهد بالفيديو: 5 استراتيجيات لبلوغ أعلى الطموحات وتحقيق الأهداف
كيف تعمل هذه التقنية؟
- اختيار الروتين، بالنسبة إلي كان الروتين الذي لم أتمكَّن من الالتزام به هو الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية
- تخصيص الوقت في برنامجك اليومي للقيام بهذا الروتين، وإذا لم تتعامل بجدية مع الوقت المخصص لهذا الروتين، كما لو كان موعداً لاجتماع عمل، فلن تكون قادراً أبداً على القيام به.
- جعل الروتين مترافقاً مع دفع مبلغ يشكِّل فقدانه سدىً خسارة، وليكن ورقة نقدية من فئة 10 دولار.
- إحضار ولَّاعة.
- تعليق تقويم على الحائط في مكان يمكنك رؤيته فيه، مثلاً في غرفة النوم؛ إذ يكون التقويم هو أول ما تراه عند الاستيقاظ.
- تعليق الورقة النقدية على التقويم في مكان اليوم الذي يجب أن تمارس فيه الروتين، والخيار لك إمَّا أن تقوم بالروتين أو تحرق الورقة النقدية؛ أي أن تحترق وأنت تقوم بهذا النشاط الشاق، أو تحرق أموالك حرفياً، ولا يمكنك أن تعطي المال لشخص آخر أو شراء شيء ما به، يجب أن تحرقها ما لم تقم بالنشاط.
- طبعاً، يجب ألا تحرق الورقة النقدية، فهذا غير قانوني، لكن الخدعة تكمن في أنَّ وضع هذا التحدي لنفسك سيزيد من التزامك، فلا أحد يحب أن يرى أمواله تحترق.
كيف تعمل هذه التقنية؟
بقدر ما تبدو هذه التقنية غريبة، إلَّا أنَّ العلم يجيب عن سبب كونها فعالة جداً، على سبيل المثال ليس مستغرباً أنَّنا نكره خسارة المال، لكن قد تتساءل لماذا لا تدفع لنفسك مقابل الالتزام بالروتين بدلاً من حرق المال؟ يجيب اختصاصيو علم الاجتماع أنَّ الألم النفسي الذي نعانيه جراء الخسارة هو ضعف اللذة التي نشعر بها عند الكسب، وهي ظاهرة في علم النفس وعلم الاجتماع تُسمى تجنُّب الخسارة.
إضافة إلى ذلك من المعروف أنَّ الناس يخطئون كثيراً عند التنبؤ بأفعالهم المستقبلية، فكم مرةً قلت لنفسك: "بالتأكيد، سأذهب إلى صالة الألعاب الرياضية غداً"، لكن عندما يأتي الغد تجد عذراً.
ما يفسر سبب عدم التزامنا بما قررنا سابقاً القيام به هو انحيازنا للحاضر؛ أي إنَّنا نرغب في نتائج فورية ولا نجيد تقدير الفوائد التي يتأخر حصولها لبعض الوقت، وهذه الخواص النفسية هي ما يمنعنا من القيام بالأشياء على الرَّغم من معرفتنا بأنَّنا يجب أن نقوم بها.
تعمل تقنية "الجهد أو الحرق"؛ لأنَّها تجبرنا على الاختيار بين القيام بالشيء أو مشاهدة أموالنا تحترق؛ وبذلك لا نسوِّف أو نخلق الذرائع لنتجنب القيام بالشيء عندما لا نرغب فعلياً في القيام بهذا الشيء.
ثَبُتَ في الواقع أنَّ تقنية مماثلة فعالة بطريقة مذهلة في مساعدة المدخنين على التخلص من إدمانهم على السجائر، وجدت الدراسة، والتي نُشرت في مجلة "نيو إينغلاند جورنال أوف ميديسن" (New England Journal of Medicine)، أنَّه عندما طُلب من المدخنين المخاطرة بأموالهم، كانوا أكثر استعداداً للإقلاع عن التدخين.
وجد الباحثون لسوء الحظ في دراسة التدخين أنَّ قلَّةً قليلة من المدخنين يوافقون على المخاطرة بأموالهم، ربما كان هؤلاء الأشخاص الذين خضعوا للاختبار يعرفون أنَّهم إذا راهنوا بأموالهم الخاصة، فعليهم بالفعل التوقف عن التدخين، وهو أمر لم يرغبوا في فعله على الأرجح.
لقد عانيت أيضاً في بداية تطبيقي لهذه التقنية؛ لأنَّني عرفت أنَّ ذلك يعني أنَّني سأضطر في الواقع إلى القيام بالعمل غير المريح، ثمَّ أدركت أخيراً مدى سخافة هذا الأسلوب في التفكير، لماذا قد أرفض تقنية تساعدني على تحقيق أهدافي؟
إذا لم أكن مستعداً للالتزام، فعندئذ يجب أن أنسى الهدف تماماً، لكن إذا كنت أرغب في ذلك حقاً، ينبغي أن أراهن على ذلك بأموالي للتأكد من أنَّني سأقوم بما يتطلبه الأمر من إجهاد، بعد أسابيع عديدة من التفكير الجاد، اتخذت قراري أخيراً، ولقد ثبَّتُّ التقويم على الجدار، وعلقت الورقة النقدية على التقويم، ووضعت ولاعتي على الرف؛ إذ ما تزال موجودة اليوم وكلَّ يوم.
في الختام:
لليوم أنا ملتزم بالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، وقد مضى على ذلك أكثر من سنة، وأنت أيضاً تستطيع القيام بذلك، أبدأ فقط وسترى أنَّ الأمر لم يكن صعباً كما كنت تعتقد.
أضف تعليقاً