تسود أجوائنا الأسرية والحمد لله العديد من المبادئ منها التي ننشأ عليها وننهلها من أهلنا وذوينا، ومنها التي نكتسبها خلال مراحل نمونا وتعليمنا وتفاعلنا مع مجتمعنا، ولا شك فإن العلاقات بين أفراد الأسرة والمجتمع تستند على مسلمات وقوانين لا يمكننا تجاهلها وبالأخص عندما نكتسب بعض الخبرات من محيطنا المحلي، إذ أن المعلومات أصبحت ترد كل منا من كل صوب وحدب وقد لا نبذل حتى جهدا في التعرف عليها أو قراءتها ، لكننا قد نبذل الجهد في تبنيها وأحيانا إلى مقاومتها أو رفضها ، والحمد لله فأغلبنا مقتنع بأن المواقف العقلية هي قوتنا التي تكمن داخل عقولنا والطريقة التي يمكننا أن نغير واقعنا الذي نعيشه من خلال العديد من الأساليب لتطبيق فكرة معينة ، قد يبدو الأمر افتراضيا ولكننا إن بدأنا نحاور ذواتنا أولا قبل محاورة الآخر سنجدها عملية واقعية وليست ضرب من الخيال، وبالأخص عندما نجتهد وتسيطر علينا فكرة مهمة هي تحقيق رضا الله واستقرار الذات والأسرة ودليل على واقعية افتراضنا هو كثرة الاستشارات التي تردنا، وأغلبها تهتم بضرورة تبصير الآباء بأساليب حل الخلافات بينهم وبين أبناءهم، ويدلنا ذلك على وجود النية في إصلاح الذات والأسرة والاستفادة من كل ما هو متاح والعمل بما يمكن كل منا عمله لتحقيق التقدم والتطور في علاقتنا مع الذات والآخرين.
ومن خلال تحليل إجابات العديد من الأخوة والأخوات الأباء والأمهات الذين أشكر لهم اهتمامهم وتواصلهم والتي ألخص ما جاء فيها فيما يلي:
آراء الآباء
- ابتعاد الأبناء عن الجلسات الأسرية وانخراطهم في اهتماماتهم وألعابهم او اللهو خارج المنزل او مع اصحابهم او بالهاتف او الكمبيوتر
- تبني الأبناء مفاهيم تكنولوجية ومصطلحاتها وبعض سلوكياتها واشاراتها ولغتها
- كثرة الشكوى المنزلية وضعف الطاعة للقرارات الأبوية والتمرد على القوانين التي تضعها الأسرة
- شكوى الأمهات المتكررة للآباء من انشغال الأولاد باللهو وضعف الاصغاء لتعليماتهن وتوجيهاتهن
- شكوى الأبناء والأمهات للآباء غالبا بسبب المشاحنات والمشاكل بينهم وضعف القدرة على السيطرة عليها
- على الرغم من الرقابة والمتابعة المستمرة إلا أننا نستمع لكلمات وسلوكيات لا نحب أن تصدر عن أبنائنا
- ضعف تحملهم المسؤولية تجاه انفسهم اولا وممتلكاتهم ومن ثم قيمهم واسرهم
- قلة رجوع الأبناء إلينا في حل مشكلاتهم بل نستمع لمشكلاتهم أو النتائج أو روايات الآخرين عنها من آباء أصحابهم مما يجعلنا في حرج في مجتمعنا.
آراء الأمهات
- الأولاد لا يساعدون في الاهتمامات المنزلية ويبتعدون عن الجلسات الأسرية ولديهم مشكلات تكيفية مع باقي افراد الأسرة
- متابعة الأبناء للتلفازوالمسلسلات التلفازية والتواصل مع قنوات التكنولوجيا بانواعها ، فضلا عن الصفحات الاكثر تعددا وتوجيها ولغة وثقافة!! واصبحوا يقلدوا الافكار وطريقة التحدث والتصرف والصوت والصورة والملابس كما هي بعيدا عن ثقافة المجتمع وقيمه
- ظهور مفردات وألفاظ بين أبنائنا اليوم بدأ الآباء يلومون الامهات عليها وحتى أفراد الاسرة الممتدة وحديث الأمهات المستمر نعتذر فنحن لا نتمكن من السيطرة على تغييرها حاولنا بكل الطرق بالضرب والمنع والمشاحنات والحرمان وكثرت مشكلاتنا وكثرت معها السلوكيات المتعارضة ووقيم اسرتنا؟؟
- اختلاف نبرة الصوت والاصغاء بين الأبناء اليوم وأمس ولا يحترموا احيانا التوجيهات ولا يحرصوا احيانا على تنفيذها فضلا عن كثرة المتطلبات وكثرة المشاحنات والصراع بينهم وبعضهم من جهة، وبين آبائهم من جهة أخرى
- ضعف أدائهم لوظائفهم المنهجية المدرسية رغم توفر المستلزمات الضرورية لهم
- كثرة حبهم للتجوال بالأسواق والمراكز ومضيعة الوقت بالهاتف وأمور أخرى
- هذه أهم ما وردتني من ملاحظات وهناك الكثير لم يرد بتكرارات شديدة كالتي اشرنا اليها.
الحاجة للاتفاق
نلاحظ مما تقدم أن هناك تباينا واضحا بين آراء الآباء والأمهات وإذا استمرت حياتهما على هذا النحو يكون من الصعب الاتفاق على نظام اسري امام الأبناء مما قد يؤدي إلى اختلاف سمات الأبناء الشخصية وصعوبة السيطرة على سلوكياتهم لاستغلال كل منهم لهذا الاختلاف في تسيير حياته الشخصية وتحقيق اهدافه من خلال بناء علاقة احادية مع احد الابوين وتحقيق مآربه على حساب هذا الاختلاف.
وفي حال اختفاء الحوار الناجح والاتفاق فيه على النظام الأسري وبالأخص اختلاف الأبوين ينتج عنها لدى العديد من الأسر الكثير من المشكلات وتفاقمها ويكون مدعاة إلى ظهور الاختلافات الواضحة، وذلك بعد أن أصبحت مشاغل الحياة وضغوطها والسعي وراء تحقيق المكاسب الاقتصادية والمهنية والإجتماعية تفرض نفسها على مجرى حياة الإنسان، وتؤدي أحيانا إلى التأجيل المستمر لجلسات الحوار أو حتى للتعبير عن المشاعر، أو الاستعجال في اتخاذ القرارات وفقا للظروف النفسية التي يمر بها الأبناء وعلى الرغم من ارتباط الحوار بحاجاتنا وطرق إشباعها إلا أن بعضنا لا يسعى ليتعلم هذه اللغة ويطبقها، وتعد لغة الحوارأحد الأساليب المؤثرة من بين أساليب الاتصال المتعددة التي لها الأثر المهم في نقل الرسائل الجسدية أو اللفظية أو الإيمائية أو ما شابهها، وبالأخص إن كانت هذه اللغة تحمل في طياتها الصدق والإخلاص وحسن النية والثقة بالذات بالزوج وبالأبناء مما تؤدي إلى الإتفاق والتوافق بين أفراد الأسرة كافة .
وهنا أجد ضرورة إعادة النظر بأساليب التغلب على الغضب عند مخالفة الرأي في الحوار بين الأب وبين الأم أو الإبن أو عند وجود افتقار بلغة الإقناع أو التفاوض أو تحقيق مأرب لدى أحد أطراف الأسرة، والتي أكد بعضهم على عدم سيطرتهم على نبرة صوتهم في الحوار الساخن في أجوائهم الأسرية، وبالأخص أمام الأبناء ، قبل هذه اللحظات علينا أن نتدرب على التفكير والهدوء والسيطرة على الذات عند بدء الحوار أو اللقاء مهما كان الشخص المقابل صغيرا أو ضعيفا علينا أن نحاوره لأنه يستحق منا الاهتمام ولنتذكر جميعا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (ما جرع عبد جرعة أعظم من جرعة غيظة كظمها ابتغاء وجه الله)، وأقول لأخواني وأخواتي الأزواج والزوجات الذين بعثوا بمشكلاتهم لي وللشباب اللذين يعانون من وجود بعض الفجوات في علاقاتهم مع أسرهم رغم حبهم الكبير لعلاقاتهم الأسرية، أننا غالبا ما نفتقر البدء بإدارة الذات وتحديد أهدافها واستراتيجياتها وبذل الجهد حتى لو كان بسيطا للوصول إلى تنفيذ خطة الاتفاق مع الذات والآخر، والتي تُظهر الدوافع قبل أن يجسدها السلوك وخصوصا مع الأزواج (الوالدين) المنفعلين والمتوترين فكل منا سيتبع منهجية معينة تتفق مع مستوى تفكيره والتي ستكون من أهم نتائجها تحديد نظام فكري وتطبيقه وتحليل فقراته لنصل إلى مرحلة الاستقرار النفسي.
كيف نتفق
ولكي يتحقق الاتفاق نستعرض بعض المهارات الكفيلة بتطوير أساليب الاتفاق الأسري وكما يلي:
- بداية أن يقرر كل منا أن الحلم أو الهدوءأو الإتفاق أو أي قرار نتخذه في علاقاتنا الاسرية هو محظ اختيارنا ونحن مسؤولون عن نتائجه .
- ليحدد كل منا أسباب إنفعاله أو استفزازه وما علاقتها بحالتنا المزاجية، ولنرتب الأسباب وفقا لأولوياتها، وليستبصر كل منا مشكلته أولا قبل البحث في مشكلة المقابل في الحوار، على أن لا نسقط مشاعرنا على الآخرين، ودراسة الأسباب التي لا يمكن كل منا التغلب عليها.
- البدء بحوار الذات والتعرف على أهمية الإنفعال أو العناد هل سينفعنا أو سيؤثر على علاقاتنا وصحتنا بل على مستقبل أسرتنا أيضا، وبالأخص بالنسبة للأب الذي يسمى "رب الأسرة" ففقدانه أي فقدان دوره وليس وجوده فكم من أب متواجد في الاسرة ولكنهم يفتقدون تفاعله وتوجيهه وإرشاده للأم أو الأباء ونقل خبرته لهم في الوصول الى النضج الانفعالي والعقلي واتخاذ القرارات السليمة البناءة.
- ضرورة التركيز على القيم والمفاهيم والعادات التي نشأ الآباء والأمهات عليها وتحويلها إلى أنظمة ثابتة غير قابلة للمطاطية فعندما نشعر بالراحة والفرح نسمح بما منعناه امس وعندما نشعر بعدم الارتياح او بالغضب نزيد من التمسك بالرفض والنهي ولوم الآخرين، إذ لا بد من تحويل مشاعر الغضب والتذمر لدى كل منا إلى مشاعر التعامل وفقا لاستراتيجية للتقدم والتحرك إلى الأمام من خلال تحسين الحوار وضبط الذات والتعامل بإيجابية مع المتغيرات المحيطة بها إذ قال تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى ) (سورة المائدة الآية 8).
- استثمار الحب وطاعة الله والتعليم والاستعانة بذكر الله في كل موقف نتعرض له ،والتأكيد على التعلم من الآباء والأبناء فلهم أفكارهم الإيجابية أحيانا ولغة عصرهم فلنصغي لهم ولنتنازل عن البعض من آرائنا التي لا تتعارض مع القيم والمباديء الأصيلة وبالأخص المتعلقة بالشؤون الأسرية وحل المشكلات التي تواجهنا في حياتنا العملية اليومية ولنشجع الأبناء على التفكير بإيجابية وإيجاد الحلول المبدعة لمعالجتها،وربط الأحداث مع القرارات والظروف المحيطة بأدلة واضحة وخبرات متنوعة تساعد الأمهات والأبناء على تفهم الحلول واستخدام المنطق في التفكير والاستنتاج مع إشاعة جو التسامح والمشورة والدعاء والإنابة إلى الله .
- البدء بجذب انتباه الأبناء للموضوعات الضرورية لنجاحهم وتحقيق سعادتهم وتحديد الأمور التي استرعت اهتمامهم وربطها ماديا واجتماعيا وفكريا ودينيا من خلال العبارات التي تشدهم لهذه الموضوعات ولا تبعدهم عنها ويتبنون تنفيذها بحب وشغف وتجنب فرضها عليهم ويتمردوا عليها.
- استخدام اسلوب الترغيب مع الأمهات قبل الأبناء لقبول الفكرة أو القرار الأبوي ثم تبنيها والدفاع عنها قبل البدء بتطبيقها مع الأبناء على نطاق الأسرة ، وذلك ليتولد لدى الأم اولا الاستعداد لفهمه ومن ثم تطبيقه بروحه (وليس هذا قرار بابا ويجب علينا تطبيقه!! وانا ما اعرف من ياتي بابا ناقشوه)
- تعريف أفراد الأسرة على الدوافع لقرارات الآباء وربطها بسمات أفراد الأسرة مثلا ( يا أبنائي الحمد لله الناس لديها فكرة طيبة عنكم وعن خلقكم فهل تعتقدون إذا فعلتم كذا وكذا ستبقى هذه الفكرة لدى الآخرين عنكم ربما يغيروا رأيهم عند تصرفكم بكذا وكذا ولذلك ما رايكم في أن ننتهج مبدأ مساعدتنا لبعضنا في أن نضع قرار جماعي أن نمتنع مثلا عن أداء السلوك الفلاني مثلا الحديث عن الآخرين بسوء أو عدم احترام جيراننا أو رمي الكرة على السيارات في الفريج ) وغيرها من السلوكيات التي يحب الآباء أن يتصف بها أبناءهم، وضرورة إشراك الأبناء في صياغة الثوابت الأسرية وأنظمتها وإيصال أفكار الآباء بمهارة تسهم في إيصال المعلومة أو القيم بسهولة لتصبح قراراتهم ويكونوا مسؤولون عن تنفيذها.
- مراقبة الآباء لسلوكياتهم عند مناقشة قوانينهم الأسرية مع ضرورة الابتعاد عن الإشارة بالأصبع وبالأخص عندما يكون الكلام إيجابيا كأن نتحدث عن النجاح أو السمات المتميزة عند الأبناء ونحن نوجه بألأصبع تجاههم أو ونحن عبوسي الوجه أو نبرة صوتنا فيها الحدة أو الارتفاع ...فإن ذلك سيكون حائلا أمام إقناع المقابل بالفكرة أوالقرار وستكون ردة فعله سلبية ولن يحدث الاتفاق عليها.
- ليتعود الآباء قبل الأبناء على عبارات المديح التي قد نعتبرها موجودة وهي غائبة وسط زحام الأعمال والمسؤوليات والتعزيز ونذكر بالإيجابيات قبل ذكر الإخفاقات لنسعد أنفسنا ومن حولنا ونرسم عالم مشترك يدعم كل منا نظرته من خلال من حوله ونعيش بهناء وسعادة .
- الإيمان بمقولة الإختلاف لا يفسد بالود قضية، فإذا قل الود اليوم في مشاعرنا كوننا اختلفنا في الاتفاق على مبدأ او تنفيذ قرار أو من خلال الغضب أو الزعل بيننا وبين أبنائنا فذلك سيضعف الصلة العاطفية بيننا وبينهم بل بالعكس ينبغي علينا أن نفصل النقاش أو أي أمر آخر عن حبنا لهم ولا ينقص منه شيء لأي سبب كان.
- المحافظة على العلاقة الأسرية وإشاعة أجواء الاحترام والمودة تحت خيمة العاطفة الصادقة والتي ستؤدي إلى الاتفاق الدائم الفعّال والناجح المرتكز على الذات وتعزيزها وإضاءتها بقناديل الثقة فيها وبالآخر، والمستند على تبني أفراد الأسرة لقراراتها والمحافظة على تنفيذها بحب وطاعة فكما قيل ( كل محب للحبيب مطيع) .
وآخر توصية لكل أب أن يحقق تواجده وحضوره بما يضعه من بصمة على شخصيات الابناء.
أضف تعليقاً