ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "ميريديث فلاناغان" (Meredith Flanagan)، تحدِّثنا فيه عن الاكتئاب، وكيف يمكن أن يُتعبنا، وكيفية التخلُّص منه.
نعلم جميعنا أنَّ التعب هو أحد أكثر أعراض الاكتئاب شيوعاً، ويوجد عدد من الأسباب الرئيسة التي تسبِّب ذلك، والتي تشمل زيادة التوتر، واضطرابات النوم، وسوء التغذية على سبيل المثال لا الحصر، فعندما تكون متعباً فإنَّك تفتقر إلى الطاقة للقيام بالأشياء التي عليك القيام بها للتخلُّص من الاكتئاب.
إحدى الطرائق التي أصف بها الاكتئاب هي "الحالة المزاجية المنخفضة"، والتي لا تشير إلى حالتك العاطفية فحسب، بل أيضاً إلى مستويات طاقتك الإجمالية، والتي تقلُّ وتمنعك من النهوض وممارسة العمل اللازم للتعامل مع الاكتئاب، وهكذا تبدأ الحلقة المفرغة بين تناقص الطاقة وزيادة الاكتئاب، لذا في هذا المقال سأشرح كيف يمكن أن يجعلك الاكتئاب متعباً، وسأقدِّم لك بعض النصائح للمساعدة على حل هذه المشكلة.
العلاقة بين النوم والاكتئاب:
من العلامات الواضحة للاكتئاب هي قِلَّة النوم، فقد يكون ذلك بسبب الأرق المزمن، أو لأنَّ متطلَّبات الحياة تجعل النوم من آخر أولوياتك، وهذا يؤدي إلى الحرمان من النوم، فمجرد فكرة أنَّك محروم من النوم تعرِّضك للإصابة بالاكتئاب سواء في الوقت الحاضر أم في المستقبل.
وجدت الأبحاث أنَّ ثلاثة أرباع الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب يعانون أيضاً من نوع من اضطرابات النوم، وهذا يعني أنَّ العلاقة بين النوم والاكتئاب لا يمكن إنكارها، بالإضافة إلى ذلك أظهرت الأبحاث أنَّ الأشخاص الذين لا يعانون من الاكتئاب ويعانون من الأرق لديهم مخاطر متزايدة للإصابة بالاكتئاب في وقت لاحق من حياتهم؛ إذ يكفي أن نقول إنَّ قِلَّة النوم تعني انخفاضاً في جودة الحياة وزيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب.
"سأنام بما يكفي عندما أموت"، لقد سمعت هذه الجملة مرات عديدة، لكنَّ الحقيقة هي أنَّه إذا لم تحظَ بنومٍ جيد، فقد يأتي احتمال الموت في وقت أقرب بكثير ممَّا تعتقد؛ إذ سيكلِّفك النوم غير الكافي لفترة طويلة الكثير، وقد يأتي في شكل اكتئاب، أو زيادة خطر الحوادث والأمراض المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
فقد تجبرك وتيرة الحياة المزدحمة والسريعة على التخلُّص من الأشياء التي تعتقد أنَّك لا يمكنك الاستغناء عنها، أو التي لن تكلِّفك كثيراً في الوقت الحالي، فماذا لو رأيت النوم أمراً "غير قابل للتفاوض" كما ترى عديداً من الالتزامات الأخرى في الحياة؟ لا يُقصد من هذا الكلام أن يكون نقداً قاسياً، لكن المقصود منه أن يحملك على التفكير في خيارات حياتك.
لقد ضحِّينا جميعاً بالنوم في فترة معينة من حياتنا، لتحقيق هدف أو إنجاز مهمة معيَّنة، لكن إذا وجدت نفسك تفعل ذلك كثيراً، فهذا يعني أنَّ الوقت قد حان لإعادة تقييم إدارة وقتك، فالحياة عبارة عن سلسلة من الخيارات، والخيارات التي نتخذها تعتمد على أولوياتنا.
فيما يأتي بعض النصائح البسيطة التي يمكنك من خلالها تطوير عادات نوم صحية:
- اكتشف عدد ساعات النوم التي تحتاج إليها لتكون في أفضل حالاتك؛ ويمكنك القيام بذلك عن طريق تتبُّع بعض البيانات، وذلك عبر كتابة ملاحظات بسيطة عن ساعات النوم التي تحصل عليها، وما هو شعورك في اليوم التالي لمدة أسبوع أو أسبوعين.
- اكتشف عدد ساعات النوم التي تحتاج إليها كل ليلة عبر تحديد الوقت الذي تحتاج إليه للاستيقاظ، ثمَّ العد تنازلياً، واجعله موعد نومك الثابت وغير القابل للتفاوض.
- إذا كان هناك بعض الضوضاء من حولك، فاستخدم سدَّادات الأذن لمساعدتك على الحصول على النوم العميق الذي تحتاج إليه، وإذا كانت هناك أضواء يمكن أن توقظك، فيمكن أن يكون قناع العين مفيدٌ أيضاً.
شاهد بالفيديو: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب
عامل التوتر:
النوم والتوتر مرتبطان ببعضهما أيضاً، فعندما يصاب الجسم بالتوتر، تتدفَّق كمية متزايدة من هرمون "الكورتيزول" (cortisol) عبر الجسم، وهذا يعني أنَّك لن تكون قادراً على النوم جيداً عندما تكون متوتراً.
فمن المفترض أن يمنحك هرمون التوتر: "الكورتيزول"، الطاقة اللازمة للبقاء على قيد الحياة؛ إذ يثير في جسدك استجابة "الكر أو الفر، أو التجمد"، وهذا يحفِّز عقلك وعديداً من أنظمة الاستجابة للطوارئ في جسمك، الأمر الذي يمنعك من الراحة، وعند التعرض لمواقف متكررة توترك، مثل سوء المعاملة، أو الضغط المالي، أو العوامل البيئية مثل ارتفاع معدلات الجريمة والعنف، فإنَّ التدفق المستمر للكورتيزول لن يؤثر في أدائك العام فحسب، بل في وظائف المخ أيضاً.
نصائح عن كيفية تقليل التوتر في حياتك:
لن تكون قادراً على تجنُّب التوتر في حياتك تماماً، لكن يوجد شيء واحد يمكنك القيام به، وهو التأكد من تمتعك بمهارات التأقلم لمواجهته، والتي تتلخَّص في روتين جيد للعناية الذاتية.
إليك بعض النصائح البسيطة:
- تأكَّد من حصولك على الدعم الاجتماعي والعاطفي الكافي.
- حافظ على نشاطك، وهذا لا يعني الذهاب إلى النادي الرياضي بانتظام، بل مجرد المشي السريع يمكن أن يكون كافياً لتدفق هرمون "الإندورفين" (endorphin) في جسدك، ممَّا يمنحك شعوراً طبيعياً بالحيوية.
- اقضِ وقتاً كافياً في الهواء الطلق للمساعدة على زيادة "فيتامين د" (vitamin D) في جسمك.
- خُذ قسطاً من الراحة خلال يومك، في أثناء تناول الغداء على سبيل المثال.
- مارس أنشطةً تستمتع بها، كجلسة تدليك، أو مشاهدة فيلمك المفضل.
أهمية الغذاء الصحي:
إذا اتخذت خيارات صحية لنظامك الغذائي، فستكون لديك فرصة أفضل للشعور بتحسُّن جسدي، وهذا سيؤثر في شعورك عاطفياً، ومن ثمَّ ستصبح أكثر نشاطاً، فكما يقول المثل: "أنت ما تأكله".
بالإضافة إلى ذلك، لقد ثبت أنَّ الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من "أحماض أوميغا 3 الدهنية" (omega-3 fatty acids) تدعم الصحة العقلية؛ إذ يعود ذلك جزئياً إلى كونها مضادة للالتهابات، بالإضافة إلى الأحماض الدهنية "دي إتش إي" (DHA)، و"إي بي إي" (EPA)، والتي وُجد أنَّها قليلة جداً لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب مقارنةً مع الذين لا يعانون منه؛ إذ ليس بالضرورة أن تعالج أحماض أوميغا 3 اكتئابك، لكنَّها قد تكون مفيدة، ومن المعروف أيضاً أنَّها من مكونات النظام الغذائي الصحي.
إنَّ اتباع قواعد النظام الغذائي العام الجيد يعزِّز مستويات الطاقة لديك أيضاً، وهذا سيساعدك على مقاومة الاكتئاب، وغالباً ما ستشعرك جميع الأطعمة اللذيذة والتي تحتوي على الكربوهيدرات والسكريات والدهون المتحولة والدهون المشبعة بالخمول والانتفاخ، لذا ابذل قصارى جهدك لاختيار الفواكه والخضروات الطازجة مع اتباع "حمية البحر الأبيض المتوسط" (Mediterranean diet)، ولاحظ كيف ستشعر بعد بضعة أيام.
نصائح عن تناول نظام غذائي صحي متكامل:
- احرص على أن يكون الجزء الأكبر من اختياراتك الغذائية عبارة عن أطعمة نيِّئة أو طبيعية أو أطعمة كاملة.
- خطِّط لوجباتك، فإذا لم تخطِّط لها مسبقاً، فمن المحتمل أنَّك ستلجأ إلى خيارات سريعة، والتي غالباً ما تكون أقل صحة، وبحال وجدت خياراً صحياً، فقد يكون باهظ الثمن.
في الختام:
إذا كنت ترغب في التخلُّص من الاكتئاب، وزيادة طاقتك، يمكنك البدء بمعالجة مشكلات النوم، وتقليل التوتر، واتباع نظام غذائي غني بالأوميغا 3، وعندما تتحسَّن كل هذه الأمور، لا بدَّ أن يتبعها الاكتئاب.
لذا، احصل على النوم الجيد، وتناول الطعام الصحي، وحرِّك جسمك حتى عندما لا ترغب في ذلك؛ فإنَّ التغييرات الصغيرة يمكن أن يكون لها تأثير كبير في جودة حياتك، فاتباع نظام غذائي غني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، والحصول على قسط كافٍ من النوم، والاعتناء بنفسك لتقليل التوتر، كلها جزء من النظام الذي سيساعدك على معالجة الاكتئاب في حياتك.
ففي بعض الأحيان، قد نعتقد في البداية أنَّ الراحة ستجعلنا نستعيد طاقتنا، لكن مع أنَّنا نحتاج إلى الراحة، فإنَّ النهوض وتحريك الجسم يمكن أن يكون من أفضل الطرائق للعثور على الطاقة التي تفتقر إليها، والتي ستعالج المشكلات الثلاثة في حياتك: النوم، والتوتر، والتغذية، فعندما نكون أكثر نشاطاً، نتناول الطعام بطريقة جيدة، لذلك يمكنك القول إنَّه من أجل العثور على الطاقة، عليك أن تنفقها.
في المرة القادمة التي تشعر فيها بالإحباط وانخفاض الطاقة، ألقِ نظرة على هذه المجالات من حياتك، وشاهد التعديلات التي يمكنك إجراؤها، وقد يعني ذلك زيادة شعورك بالحيوية والصحة حيال حياتك.
أضف تعليقاً