ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون ستيفن أيتشيسون (Steven Aitchison)، ويُحدِّثنا فيه عن ضرورة عدم السعي دوماً إلى السعادة.
فلماذا لسنا أكثر سعادة؟ ولماذا بقيت مقاييس السعادة المُبلغ عنها ذاتياً راكدة لأكثر من 40 عاماً؟
بخلاف ذلك، قد تكون الجهود المبذولة لتحسين السعادة ضد التيار ولا طائل منها، ومن الممكن أنَّنا بُرمِجنا لنكون غير راضين في معظم الأوقات.
لا يمكنك الحصول على كلِّ شيء تريده:
إنَّ الجزء الأساسي من المشكلة هو أنَّ السعادة ليست مجرد شيء واحد، لقد اقترحت الفيلسوفة التي تدرس تاريخ السعادة جينيفر هيشت (Jennifer Hecht) في كتابها "أسطورة السعادة" (The Happiness Myth) أنَّنا جميعنا نختبر أنواعاً مختلفة من السعادة، ولكنَّها ليست بالضرورة أن تكون مكمِّلة لبعضها؛ إذ قد تتعارض بعض أنواع السعادة مع بعضها الآخر.
بعبارة أخرى، قد يؤدي وجود كثير من نوع واحد من السعادة إلى تقويض قدرتنا على الحصول على ما يكفي من الأنواع الأخرى؛ لذلك من المستحيل بالنسبة إلينا أن نحصل على جميع أنواع السعادة بكميات كبيرة في نفس الوقت.
على سبيل المثال: الحياة المُرضية المبنية على حياة مهنية ناجحة وزواج جيد، هي شيء يتطور على مدى أوقات طويلة من الزمن؛ إذ يتطلب الأمر كثيراً من العمل، وغالباً ما يتطلب الزواج الناجح تجنب ملذات المتعة، مثل: الحفلات أو الذهاب في رحلات مفاجئة، وبالنسبة إلى العمل؛ فهذا يعني أيضاً أنَّه لا يمكنك قضاء كثير من وقتك في عدة أيام ممتعة تقضيها بلا عمل بصحبة الأصدقاء.
من ناحية أخرى، يتطلب منك العمل الجاد تقليل كثير من ملذات الحياة؛ أي قد لا تستطيع قضاء وقتك باسترخاء، وقد تفشل صداقاتك في الاستمرار، فكلَّما زادت السعادة في إحدى مجالات الحياة، غالباً ما تنخفض في المجالات الأخرى.
شاهد: 10 طرائق مثبتة علمياً تمنحك سعادة دائمة
ماضٍ جميل ومستقبل مليء بالفرص:
تزداد هذه المعضلة إرباكاً بالطريقة التي تعالج بها أدمغتنا تجربة السعاد، على سبيل التوضيح، ضع في حسبانك الأمثلة الآتية:
جميعنا قلنا في مرحلة معينة من حياتنا عبارة: "ألن يكون الأمر رائعاً عندما…"، على سبيل المثال: أذهب إلى الكلية، أو أقع في الحب، أو أنجب أطفالاً، وما إلى ذلك، وبالمثل غالباً ما نسمع كبار السن يبدؤون جملاً بعبارة: "ألم يكن الأمر رائعاً عندما…"، فكِّر في كيف أنَّنا نادراً ما نسمع أحداً يقول: "أليس هذا رائعاً، الآن؟".
بالتأكيد، ماضينا ومستقبلنا ليسا أفضل من الحاضر دائماً، ومع ذلك نستمر في الاعتقاد أنَّ هذا هو الحال، وهذه هي الأمور التي تعزل الواقع القاسي عن الجزء الموجود في أذهاننا الذي يفكر في السعادة الماضية والمستقبلية، فقد شيدت ديانات كاملة منها، سواء كنا نتحدث عن "جنة عدن" - عندما كانت الأمور رائعة - أو عن الوعد بسعادة مستقبلية مبهمة في الجنة، أي إنَّ السعادة الأبدية دائماً ما تكون إلهية.
ثمة دليل على سبب عمل أدمغتنا بهذه الطريقة؛ إذ يمتلك معظمنا شيئاً يسمى الانحياز للتفاؤل (optimistic bias)، وهو الاعتقاد بأنَّ مستقبلنا سيكون أفضل من حاضرنا.
حدد علماء النفس المعرفي أيضاً شيئاً يسمى مبدأ بوليانا (Pollyanna Principle)، وهو يعني أنَّنا نعالج ونتدرب ونتذكر المعلومات السارَّة من الماضي أكثر من المعلومات غير السارة، وقد يكون ثمة استثناء لدى الأفراد المصابين بالاكتئاب، والذين غالباً ما يركزون على الإخفاقات، وخيبات الأمل الماضية.
مع ذلك، بالنسبة إلى معظمنا، فإنَّ السبب في أنَّ الأيام الخوالي تبدو جيدة بالنسبة إلينا هو أنَّنا نركِّز على الأشياء السارة وننسى الأمور غير السارة التي تحدث يومياً، وغالباً ما تكون ذكرياتنا عن الماضي مشوهة، لكن يُنظر إليها بنظرة مبهجة.
خداع الذات بوصفه ميزة تطورية:
يمكن أن تكون هذه الأوهام المتعلقة بالماضي والمستقبل جزءاً تكيفياً من النفس البشرية، بالإضافة إلى خداع الذات الذي يمكِّننا من الاستمرار في الكفاح، فإذا كان ماضينا رائعاً، ومستقبلنا يمكن أن يكون أفضل؛ فهذا يعني أنَّه يمكننا أن نشق طريقنا للخروج من الحاضر غير السار "أو على الأقل الحاضر العادي".
كلُّ هذا يخبرنا بشيء عن الطبيعة العابرة للسعادة، ولطالما عَرِف الباحثون في مجال العاطفة شيئاً يسمى تكيف المتعة (hedonic treadmill)؛ إذ إنَّنا نعمل بجد للوصول إلى هدف ما، ونتوقع السعادة التي سيجلبها هذا الهدف، ولسوء الحظ بعد تصحيح وجيز سرعان ما نعود إلى طريقتنا العادية الأساسية، ونبدأ في مطاردة شيء آخر، والذي نعتقد أنَّه بالتأكيد "وأخيراً" سوف يجعلنا سعداء.
مع ذلك، وجدت الدراسات التي أُجريت على أشخاص فائزين باليانصيب، وأشخاص يبدون كأنَّهم يمتلكون كلَّ شيء، والذين غالباً ما تكون ثقتهم قليلة، أنَّ الحصول على ما يريدونه حقاً سيغير حياتهم ويجعلهم أكثر سعادة أنَّ الأحداث الإيجابية، مثل الفوز بمليون دولار، والأحداث المؤسفة التي قد تحصل في الحياة، لا تؤثر تأثيراً كبيراً في مستوى سعادة الفرد على الأمد الطويل.
كذلك ثمة بعض الأشخاص الذين لا يلاحظون أنَّهم كانوا في عجلة من أمرهم إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن نشرت كتابي كان من المحبط بالنسبة إلي أن أدرك مدى سرعة تحول موقفي من "لقد كتبت كتاباً" إلى "لقد كتبت كتاباً واحداً فقط".
لكن هذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر، على الأقل من منظور تطوري؛ إذ إنَّ عدم الرضا عن الحاضر وأحلام المستقبل هي ما يحفِّزنا، وفي حين أنَّ الذكريات الجميلة من الماضي تطمئننا بأنَّ المشاعر التي نسعى إليها يمكن أن تتحقق، في الواقع، من شأن النعيم الدائم أن يقوض إرادتنا في تحقيق أيِّ شيء على الإطلاق، ومن بين أسلافنا الأقدمين ظل أولئك الذين كانوا راضين تماماً في حياتهم متخلفين عن البقية.
لا ينبغي أن يكون هذا الأمر محبطاً؛ بل بخلاف ذلك تماماً؛ إذ إنَّ إدراك أنَّ السعادة موجودة فعلاً، وأنَّها زائر مبهج لا يطيل مدة ضيافته قد يساعدنا على تقديرها أكثر عند الشعور بها.
في الختام:
إنَّ فهم أنَّه من المستحيل أن تكون سعيداً في جوانب الحياة جميعها، يمكن أن يساعدك على الاستمتاع بالسعادة، وإدراك أنَّه لا يوجد أحد "يمتلك كلَّ شيء"، ويمكن أن يقلِّل من الشيء الوحيد الذي يعرِّفه علماء النفس بأنَّه يعوق السعادة وهو الحسد.
أضف تعليقاً