لماذا نعجز عن أن نحدد بشكل صحيح الأشياء التي تجلب لنا السعادة؟
يرى الأستاذ جيلبرت من جامعة هارفرد الذي درس موضوع السعادة سنوات طويلة أن المشكلة الحقيقية تكمن في الطريقة الخاطئة التي نتبعها في تصور توقعاتنا التي نظن أنها تسعدنا، و تجعلنا نقذف بأنفسنا إلى المستقبل لنتخيل تحقق أمانينا وسعادتنا فيه. إن خيالنا يجنح إلى تبسيط المستقبل، ونحن نستحضر في أذهاننا لحظات وتجارب خاصة سابقة ضيقة ونستبعد التفاصيل الأخرى، مما يؤدي بنا إلى المبالغة في تقدير سعادتنا. فقد يتخيل أحدنا انتقاله من منزله للسكن في منطقة ريفية، حيث أشجار الفاكهة في الحديقة، ومنظر الأزهار في الربيع، والثلج في الشتاء..ولكن خياله يستبعد فكرة البعد عن الأصدقاء والخدمات التي توفرها المدينة. وربما يظن آخر أن سعادته ستتحقق إذا غيّر بيته المتواضع، وعوضاً عن أن يشتري أفضل بيت في منطقته، يقرر شراء بيت متواضع في منطقة يسكنها أغنياء..وينتقل إلى بيته الجديد وهو يحسب أنه حقق ما يسعده في الحياة..إلا أنه لايمضي وقت طويل حتى يشعر بتفاصيل صغيرة تنغص حياته، فليس البيت كبيراً ولا مثيراً للإعجاب كبيوت الجيران، والحياة في هذه المنطقة تجعله يشعر بعدم الرضى عن نفسه أكثر فأكثر؛ لا بل تجعل سعادته أقل من ذي قبل.
هل يمكن أن نكون سعداء مع وجود "المصاعب"؟
نحن نعجز عن تقييم مقدار مرونتنا وسعادتنا حتى ولو كانت حياتنا مليئة بالصعاب..وعلى سبيل المثال، حينما يتخيل أحدنا أنه مصاب بالعمى أو بالشلل، يظن ذلك قدراً مروعاً سيقف حائلاً دون سعادته حتى آخر حياته. ولكن هذا غير صحيح إذ ناقضته نتائج البحوث التي أظهرت أن لدى الأفراد المعاقين مستويات من السعادة تماماً كالأفراد الآخرين. إن الأمر الذي نهمله في حساباتنا ولا نستطيع تخيله هو أن حياة المعاق تتجاوز كثيراً حدود الإعاقة، وتتمحور حول موضوعات أخرى عديدة يمكنها أن تسعده.
إذا كان الخيال يخطئ في التنبؤ، فلماذا لا نعتمد على ما جعلنا سعداء في الماضي كي نصنع قراراتنا حول المستقبل؟
هذا هو ما يجب أن نفعله، ونحن نقوم به بالفعل، إننا نحاول أن نكرر تجاربنا و خبراتنا التي نتذكرها بأسف وندم..ولكن المشكلة هي في ذاكرتنا التي تحتال علينا، وفي دماغنا الذي يميل إلى إساءة فهم الخبرات السابقة؛ تماماً كما هو شأنه مع المستقبل. إن الطريقة التي نختزن بها ذكرياتنا، ومن ثم نعيد استرجاعها ليست حيادية إطلاقاً، ففي الواقع نحن نعجز عن حشر الكم الهائل من خبراتنا في مخزن ذاكرتنا الصغير، ولذا نميل إلى اختزان الأشياء المهمة جداً بالنسبة إلينا، وهي التي تشمل انفعالات وعواطف قوية غير اعتيادية..وبعدئذ وحينما نود أن نتذكر تعيد أدمغتنا سريعاً حياكة نسيج المعلومات التي ندعوها ذكريات، ولا تسترجعها كما حدثت في الأصل، وبذا نستعيد ذكرى أفضل الأحداث أو أسوئها عوضاً عن استذكار أكثرها حصولاً. وعلى سبيل المثال، يشعر الناس وهم متأكدون أنهم حينما يصطفون لشأن ما ( كشراء تذكرة حفلة مثلا)، يكون من حظهم العاثر الانضمام دوماً إلى أكثر الصفوف بطأ..وطبيعي أن مثل هذا الأمر غير صحيح، والصحيح هو أن الانتظار في طابور بطيء مدعاة للضيق، ولهذا فحينما يحصل ذلك يرسخ شعور الضيق- لاغير – في الذاكرة.
هل بوسع المال والممتلكات المادية أن تؤثر في سعادتنا؟
لاشك أن امتلاك المال يجعل الإنسان أسعد حينما ينقله من شخص فقير إلى متوسط الحال؛ حيث يصبح مطمئناً إلى حصوله على حاجاته الإنسانية. أما بعد ذلك فكل مبلغ إضافي يكسبه يزيد سعادته بمقدار أقل كثيراً من المبلغ الذي سبقه. والأمر شبيه بإطعام إنسان جائع قطعاً من الحلوى، فالقطع الخمس الأولى تبدو لذيذة بشكل هائل. ولكن ما أن يصل الرجل إلى نقطة الشبع حتى تصبح القطعة العاشرة بعيدة عن أن تجلب له أية سعادة تزيد على ما جلبته القطعة التاسعة؛ هذا إن أتت بأية سعادة على الإطلاق. وتوحي الدراسات أن رابحي أوراق اليانصيب ليسوا بأسعد إطلاقاً من الناس العاديين..إن وجود المال الوفير سريعاً يعقد شبكة العلاقات التي كان الفرد الرابح يجدها من مصادر سعادته، فأعضاء الأسرة والأصدقاء يشعرون بتغير مفاجئ نحو ذلك الفرد لابد من أن يترك آثاره السلبية. كما يجد أصدقاؤه الجدد الأغنياء ألف وسيلة لتذكيره بمرتبته الاجتماعية الأصلية المتواضعة..حقاً أتاه المال، ولكن لم يأته بالخبرة والسمعة، كما لم يرثه من أسرة عريقة وغنية.
ماذا لو أنفقت مالي بحكمة؟
إن هذا أمر جيد؛ ولكن معظم الأغنياء الجدد(المتطفلين على الطبيعة الغنية) يميلون إلى إنفاق أموالهم بطرق لا ترفع من مستوى سعادتهم على المدى البعيد، فهم يقتنون ممتلكات مادية- كالبيت الكبير والسيارة الفخمة- بدلاً من تحقيق حاجات أشد عمقاً وأكثر نفعاً، كالسعي إلى إيجاد الراحة الفكريةفي أعمال معينة، أو بناء علاقة حميمة مع الأهل، وغيرهما من النشاطات.. وتكمن الصعوبة الحقيقية في تحديدهم الأمور التي تجلب لهم سعادة طويلة الأمد. يقول أحدهم على سبيل المثال؛ عندما ترفعت و أصبحت أستاذاً في جامعة مرموقة فهمت أن هذا يعني مركزاً علمياً واجتماعياً أفضل، وزيادة في الدخل، ولكن الذي لم يخطر على بالي وجعلني سعيداً حقاً كان أمرأً بسيطاً غير متوقع، ففي عملي الجديد كان بوسعي الذهاب و الإياب مشياً دون استخدام أية واسطة نقل. لقد كنت أحب رياضة المشي منذ صغري وأتضايق فعلاً من وسائل النقل ومن الازدحام.
كيف يمكننا أن نعزز سعادتنا؟
حينما نناقش فرص العمل المتاحة أمامنا، ونفكر بمقدار سعادتنا أو حزننا حينما نترك مكاننا ونرتبط بغيره، فإننا في الواقع نبني قراراتنا النهائية على كيفية تخيل ندمنا وأسفنا في المستقبل. وتظهر الدراسات ان أغلب الناس يقولون إنهم سيشعرون بندم كبير إن هم غامروا بافقدام على عمل جديد، ومع ذلك فمعظم ما يندم الناس عليه في مستقبلهم هو تلك الأعمال التي خافوا من الإقدام عليها في الماضي. فالناس عموماً يميلون إلى إتقاء شر خسارة متخيلة، في الوقت الذي سيكونون أكثر سعادة لو تسلحوا بالثقة و الشجاعة وقفزوا نحو الأمام.إن غالب الناس يميلون إلى خطة تبقيهم في الجانب السليم بعيدا عن المخاطرة، و بذا يستمرون في البقاء مع المألوف تفادياً
لمصادر الندم المتخيلة.. إلا أنهم غالباً ما يخلقون بهذا مصادر ندم أخرى تبقى معهم طوال العمر وتبعدهم عن الشعور بالسعادة الحقيقية.
المصدر:بوابة المرأة
أضف تعليقاً