ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "كيري مانجيس" (Keri Mangis)، وتُحدِّثنا فيه عن المرونة وكيفية تعزيزها.
قد تعرف أشخاصاً يتعرَّضون للفشل، ثمَّ ينهضون مراراً وتكراراً دون بذل جهدٍ ظاهرياً، قد تتساءل كيف يفعلون ذلك؟ لكن ربما تقابلهم لاحقاً في حياتك، وتجد بأنَّهم فقدوا كل تلك المرونة، فماذا حدث؟ هل نفدت مرونتهم؟ وهل في إمكانهم استعادتها؟
لقد تحدثت مع "أندريا مارسيلوس" (Andrea Marcellus)، كوتش الحياة وخبيرة اللياقة البدنية ومؤلفة كتاب المساعدة الذاتية "طريق الدخول" (The Way In) للبحث في هذه الأسئلة، واكتشاف طرائق جديدة لتعزيز سِمة المرونة بالغة الأهمية.
ما هي المرونة؟
نواجه جميعاً الرفض والخيانة، ونعايش خيبات الأمل منذ الصغر، سواء في أسرتنا التي نشأنا فيها، أم في مدارسنا، أم مجتمعاتنا، ونحتاج إلى طرائق لمساعدتنا على النهوض مرةً أخرى؛ فهذه القدرة على التعافي هي المرونة.
تمنحك المرونة الطاقة والقدرة على التعامل مع التوتر أو الألم أو الخسارة في حياتك، دون أن تنهار، ففكِّر بالشريط المطاطي، وكيف يستعيد شكله بعد أن يتمدَّد، فهذه القابلية هي إحدى صفات المرونة، وتُعرِّف "أندريا" المرونة بأنَّها "القدرة على التوسع"، ربما تكون عجينة الخبز إذاً هي التشبيه الأفضل، إذ تتمدَّد وتتشكَّل بحسبِ تجاربنا.
شاهد بالفيديو: 8 طرق لتغيير حياتك نحو الافضل
أهمية المنتورينغ وقت المِحن:
نمتلك جميعاً غريزةً طبيعيةً للبقاء على قيد الحياة، لكنَّ مستوى مرونتنا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بطريقة تربيتنا، والمِحن التي كان علينا مواجهتها؛ بعبارة أخرى، فإنَّ تربيتنا وخبراتنا الحياتية تحدِّد مقدار المرونة التي نمتلكها أكثر من طبيعتنا.
السؤال الجوهري كما تقول "أندريا" هو: هل تعلَّمت أن تتدبَّر أمرك من خلال المنتورينغ الإيجابي بعد الشدائد؟
في هذه الحالة، من المحتمل أن تكون واحدة أو أكثر من هذه العبارات صحيحةً:
- مُنحتَ المجال والوقت لتُظهر مشاعرك وتُعبِّر عن خيباتك.
- تعلَّمت كيف تتعامل مع شعورك بخيبة الأمل وتتجاوزها.
- تعلَّمت أن ترى الحياة بكل تقلباتها من منظور أوسع.
- تعلَّمت أن تُعيد التفكير في الإخفاقات دون اللجوء إلى المواقف الدفاعية، كأن تعِدُّ الآخرين لا يستحقون وجودك في حياتهم، أو تُقلِّل من شأنهم بالادِّعاء بأنَّك لا تهتم لأمرهم إلى هذه الدرجة.
إذا لم تكن العبارات السابقة صحيحة، فربما يكون واحداً أو أكثر من هذه الأمور صحيحاً:
- تربَّيت على تحمُّل الأمور أو المضي قدماً، والتعود على تجاوزها بقوة الإرادة.
- سمعت أنَّ الحياة ساحة معركة مليئة بالفائزين والخاسرين؛ لذلك أصبحت عدائياً، وكل حديثك عن جهودك يقتصر على "القتال".
- سمعت أنَّ الشخص الذي يُبادر بالضربة الأولى يفوز، فتعلَّمت معالجة المشكلات بألفاظ وأفعال عصبية أو انفعالية.
- نشأت على الاعتقاد بأنَّ المعاناة بصمتٍ فضيلة، في حين يُعَدُّ الحديث عن كفاحك نوعاً من الشكوى أو التذمر.
بصرف النظر عن طريقة تربيتك، باستطاعة جميع الأشخاص تعزيز سِمة المرونة لديهم، وفيما يأتي 3 مقومات توصي بها "أندريا" لإنشاء بيئة مناسبة لتعزيزها:
"تتجلى أكبر نقاط ضعفنا بالاستسلام، والسبيل الأمثل لتحقيق النجاح هو دائماً المحاولة مرةً أخرى" - "توماس أديسون" (Thomas Edison).
1. وجود هدف قوي:
ما هي غايتك في الحياة؟ من حقك الطبيعي أن تعيش حياةً تثير حماستك وتُحفِّزك، لكن من السهل أن يحاصرك شعور بالضيق، أو أن تحرفك الطموحات الأنانية عن مسارك، أو تفقد التواصل بما تحبه وتهتم به حقاً.
وَفقاً لـ "أندريا"، عليك أن تعثر على "محور تركيزك وهدفك، وعلى رحلة مستمرة تتجاوز فيها حدود قدراتك، لأنَّك عندما تُحفِّز عقلك لتحقيق غاية ما، فهذا يُعدُّ تفكيراً يؤمن بالتطور ومليء بالفرص الإيجابية؛ إذ إنَّه تفكير مبتكَر وغير مألوف وخالٍ من الأحكام المسبقة".
لذا إنَّ امتلاك هدف قوي في الحياة يرتبط ارتباطاً مباشراً بمرونتك، ربما يتعيَّن علينا استبدال عبارة: "عندما تحب ما تفعله، فلن تشعر بعبء العمل يوماً في حياتك" بـ :"عندما تحب ما تفعله، فإنَّك تبني المرونة اللازمة لفعل ذلك مدى الحياة".
2. تدريب العقل:
تُظهر الدراسات الحديثة أنَّ قدرة الدماغ يمكن تحسينها مع تقدُّمنا في السن، وتؤكد "أندريا" أنَّ مراكز دماغنا الإيجابية، والتي تشمل الحُصين، والمخيخ، وقشرة الفص الجبهي يمكن تدريبها تماماً كما تُمرِّن الجسم، حتى تُطوِّر القدرة على النهوض من جديد عندما تتدهور الأمور.
تقدم "تارا سوارت" (Tara Swart)، عالمة الأعصاب الحاصلة على دكتوراه في الطب، والمستشارة التنفيذية ومؤلفة كتاب "المصدر" (The Source)، هذه النصائح للمساعدة على تعزيز قدرة الدماغ في أن يكون أكثر مرونة:
- ابدأ بتعزيز نفسك جسدياً: امنح عقلك قسطاً من الراحة من خلال النوم من 7 إلى 9 ساعات كل ليلة.
- اعمل على ترطيب جسمك عن طريق تزويد الخلايا العصبية بنصف لتر من الماء لكل 13 كيلوغرام من وزن الجسم.
- احرص على إمداد دماغك بالأوكسجين عن طريق المشي من 5000 إلى 10000 خطوة يومياً.
- مارِس 150 دقيقة من التمارين أسبوعياً، ومارس التأمل لمدة 20 دقيقة في اليوم.
- تناول المكملات الغذائية التي تناسب احتياجاتك.
- تناول أكبر قدر ممكن من الأسماك الدهنية والبيض والمكسرات والحبوب والخضروات الورقية والأفوكادو والزيتون وزيت جوز الهند.
- احرص على شرب أربعة أكواب من الشاي الأخضر في الأسبوع.
3. مجتمع داعم:
الحياة أكثر صعوبةً من أن تخوضها وحدك، فأنت تحتاج إلى أشخاص يمكنك الوثوق بهم لتشاركهم رحلتك، ويساعدوك على التعامل مع كل تجربة تخوضها، وإعادة التفكير بها، والتعلم منها، والنمو من خلالها.
وإليك النصائح الآتية:
- احرص على أن تُحيط نفسك بأشخاص لا يقلِّلون من شأنك، أو يتوقعون منك أن تكون شخصاً متفائلاً دائماً، ويُقدِّمون لك الدعم الذي تحتاج إليه.
- أنشئ حولك دائرةً من الأشخاص المساندين، لا يُضطر فيها أحد ليرسم ابتسامةً على وجهه بعد خيبة أمل أو محنة، وبدلاً من ذلك يُقدَّم له الدعم ليعالج الأمر، ويستعيد توازنه من جديد.
- فكِّر في أن تحذو حذو شخص يتمتَّع بالمرونة، ركِّز على الطريقة التي يواجه بها الحياة ويتجاوز خيبات الأمل، ولاحظ بأنَّه ليس مدفوعاً بالكبرياء أو التعالي أو التباهي أو التبجُّح، بل يمتلك إحساساً لا يُقهر بالسيطرة الشخصية وسعة الحيلة، فكما يُقال غالباً "قوة الآخرين تمنحك القوة".
في الختام:
لا مفرَّ من مواجهة النكسات والمصاعب في هذه الحياة، وإنَّ إظهار مشاعرك ومشاركتها مع الآخرين في أعقاب الخسارة أو الفشل أمرٌ مفيد جداً؛ إذ نحتاج جميعاً أن نحظى ببعض الراحة بين الحين والآخر لنستعيد توازننا، ونعثر على محور تركيزنا من جديد؛ لذا وجود هدف قوي، وتدريب عقلك، وبناء مجتمع من الأشخاص الداعمين، هي ثلاثة أمور يمكنك القيام بها لضمان أن تتعافى بطريقة سليمة.
أضف تعليقاً