قد تكون تلك الأحداث الصادمة حدثت لمرة واحدة كحادث السير مثلاً، أو أنَّها تحدث مرات متعددة على مدار أشهر أو سنوات كالتعرض للعنف المنزلي وسوء المعاملة الذي عاشه الكثيرون من مرحلة الطفولة وحتى الشباب، وقد تحدث الصدمة النفسية نتيجة مشاهدة الإنسان الإساءة الموجهة لشخص آخر بشكل متكرر ودون القدرة على مد يد العون له، فكثيراً ما سمعت عن طفل تعرض لصدمة نفسية نتيجة رؤية العنف الذي تتعرض له الأم من قِبل الأب، ومن ثم العيش في بيئة محزنة لا يقل خطراً عن التعرض شخصياً للعنف.
نظراً لمواجهة الكثير من الناس لهذه المشكلة ونظراً لتأثيراتها السلبية التي لا تُعَدُّ ولا تحصى في سلامة سير حياة الفرد كان من الضروري البحث عن الطرائق المناسبة للتعافي من آثار الصدمة النفسية، ومقالنا الحالي سيقدم لك أفضلها كما سيعرفك إلى أكثر آثار الصدمات النفسية انتشاراً.
أعراض الصدمة النفسية:
يمكن ملاحظة الكثير من الأعراض على من تعرض لصدمة نفسية على اختلاف الصدمات النفسية والكثير منها سهل الملاحظة، وإليك أبرزها:
- التراجع عن القيام بالنشاطات اليومية كتنظيف المنزل والعناية به أو الذهاب إلى العمل أو لقاء الأصدقاء والأقارب وحتى العناية بالنفس.
- مشكلات في النوم تتمثل في عدم القدرة على النوم أو النوم بشكل متقطع أو لفترات قصيرة أو قد يكون خلاف ذلك تماماً؛ إذ ينام من تعرض لصدمة نفسية ساعات طويلة ويشعر بعدم الرغبة في الاستيقاظ.
- إلقاء اللوم المستمر على الذات وتحميلها مسؤولية كافة الأحداث السيئة، وهذا يتسبب في الشعور الدائم بالذنب والخزي.
- صعوبة في التركيز، ومن ثم عدم القدرة على الدراسة والنجاح أو إنجاز الأعمال التي تحتاج إلى تفكير وتحليل.
- الخوف الدائم من المستقبل أو من الإقدام على أيَّة خطوة جديدة في الحياة، وقد يصل الأمر إلى الذعر، وأحياناً يكون الخوف من الموت سواء موت الشخص أم موت أحد المقربين.
- الغضب من أبسط التفاصيل بشكل مبالغ به.
- تترافق أحياناً الصدمة النفسية بأعراض جسدية دون وجود سبب مرضي لها، كاضطرابات الشهية لتناول الطعام واضطرابات الجهاز الهضمي والصداع وعدم انتظام ضربات القلب والعجز الجنسي والطاقة المنخفضة وغير ذلك من الآلام الجسدية غير المبررة.
كيفية التخلص من آثار الصدمة النفسية:
تختلف طرائق العلاج من آثار الصدمة النفسية بحسب الأعراض والمرحلة التي توصل إليها الفرد فبعض الصدمات يمكن تخطيها بمساعدة الأصدقاء والأهل وبخطوات يتبعها الفرد نفسه، وبعضها الآخر يحتاج إلى علاج طبي؛ لذلك سنذكر الطرائق جميعها:
1. العلاج الطبي النفسي:
الذي يهدف إلى تعليم الفرد كيفية السيطرة على الأعراض والمشاعر السلبية المرافقة للصدمة النفسية وكيفية التعايش معها، ومن أنواع العلاج النفسي ما يأتي:
- العلاج المعرفي: يعتمد هذا العلاج على التحدث إلى الفرد وتعليمه كيفية الابتعاد عن الذكريات المسببة للحزن وغيرها من المشاعر السلبية.
- العلاج بالتعريض: الذي يعتمد على تعريض الشخص لنفس الموقف الذي تسبب في دخوله في الصدمة النفسية؛ وذلك من خلال برنامج الحقيقة الافتراضية فيصبح مستوى الخوف لديه أقل في كل مرة.
- العلاج بالمجموعات: الذي يعتمد على إدخال الفرد ضمن مجموعة من الأشخاص ممن مروا بنفس التجربة ليشاركوا القصص فيما بينهم.
- العلاج بالأدوية: يُعطى الفرد أدوية كمضادات الاكتئاب والأدوية المضادة للقلق؛ إذ تساعد الأدوية على التخلص من مشكلات النوم وصعوبة التركيز والغضب والتوتر، ويتم في بعض الأحيان استخدام الطرائق السابقة جميعها ليتمكن الفرد من التعافي من آثار الصدمة النفسية.
شاهد بالفيديو: 6 علامات تبين أن شخصيتك مضطربة وليست عادية
2. يجب على الفرد إيجاد الدعم المناسب:
على الرغم من أنَّ التعافي من آثار الصدمة النفسية يعتمد على الفرد ذاته، إلا أنَّ الأمر يصبح أسهل بوجود دعم حول الفرد؛ لذلك يجب ألا يخجل الإنسان من اللجوء إلى شخص موثوق به من أفراد الأسرة أو الأصدقاء قادر على الاستماع لهمومه ومشكلاته؛ ليتحدث إليه عن كل ما يعاني منه بصراحة، فأحياناً بمجرد التحدث عن الأشياء السلبية والأعباء تصبح أخف نوعاً ما، وربما هذا الشخص قادر على مساعدته ليعيش حياة طبيعية ويتجاوز الأزمة النفسية.
3. تجنُّب العزلة:
لأنَّ العزلة من مسببات الاكتئاب والقلق، وعلى الرغم من الرغبة الشديدة بالعزلة التي يشعر بها من تعرض لصدمة نفسية، لكنَّ التصرف الصحيح هو التواصل مع الآخرين والانخراط ضمن المجتمع، ويمكن ذلك من خلال الذهاب في رحلة مع الأصدقاء أو الانتساب إلى جمعيات خيرية والمشاركة بالأعمال التي تُشعر الفرد بأنَّ وجوده هام للكثيرين، أو يمكن إشغال النفس بالعمل وتعلُّم أشياء جديدة بالانتساب إلى دورات تدريبية سواء لتحسين المستوى العملي أم من أجل تعلُّم مهارات جديدة وتنمية المواهب.
4. قبول المشاعر:
معظم مَن يتعرضون لصدمة نفسية يقعون في مشكلة إنكار للواقع وعدم تقبل المشاعر السلبية الناتجة، ولكنَّ الإنكار لن يغير من الأمر شيئاً؛ بل سيقف حاجزاً أمام التعافي من الصدمات، ومن ثم الإحساس بالمشاعر السلبية وقبولها هو أساس الشفاء، ويتم ذلك من خلال السماح للمشاعر بالخروج؛ أي البكاء عند الرغبة والصراخ والغضب أو حتى الانهيار فتلك المشاعر ستقل تدريجياً مع مرور الزمن، وخلاف ذلك ستتفاقم في حال قمت بقمعها ومحاولة تجاهلها.
كما تُعَدُّ عملية تدوين اليوميات طريقة جيدة للتعامل مع التوتر المرافق للأحداث الصعبة؛ لذلك أيضاً قم بتدوين مشاعرك وأفكارك ويومياتك ليصبح استيعابها والتعامل معها سهلاً.
5. ممارسة الرياضة:
تؤكد الكثير من الدراسات أنَّ ممارسة التمرينات الرياضية تساعد على التعافي من آثار الصدمة النفسية وتحسين الحالة المزاجية؛ وذلك لأنَّ النشاط البدني يعمل على تحفيز المواد الكيميائية الموجودة في الدماغ التي تجعل الفرد يشعر بالاسترخاء والراحة، كما أنَّ ممارسة الرياضة تؤدي إلى زيادة التركيز وتزيد القدرة على النوم بشكل عميق فضلاً عن كون الرياضة هي الطريق نحو جسد سليم وقوي ورشيق أيضاً، وهذا يعزز ثقة الإنسان بنفسه.
لذلك وعلى الرغم من كون الرياضة آخر ما يمكن أن يخطر في ذهنك عند المعاناة من آثار صدمة نفسية، لكن عليك ارتداء ملابس الرياضة والاتجاه نحو النادي الرياضي، أو يمكنك المشي في الهواء الطلق لمدة لا تقل عن 30 دقيقة يومياً، ويمكنك الانضمام إلى مجموعات تمارس النشاطات الرياضية بانتظام كي يصبح لديك الحافز والدعم لممارسة الرياضة والتخلص من الكسل والخمول.
6. الاهتمام بالنفس:
لا تسمح للمشاعر السلبية بمنعك عن الاهتمام بنفسك، فكثيراً ما تتسبب الصدمات النفسية في قلة الاهتمام بالنفس أو بالمنزل؛ لذلك يمكنك رعاية نفسك من خلال الذهاب إلى أماكن مفضلة وتناول وجبات الطعام المفضلة، والاعتناء بالنظافة الشخصية، وبارتداء الملابس بشكل أنيق، وتدليل النفس بجلسة استحمام، أو الاستماع للموسيقى المفضلة، أو الذهاب إلى التسوق وشراء أشياء جديدة، كما يمكن إجراء تغييرات بسيطة أو جذرية في المنزل أو في غرفة النوم الخاصة إن أمكن ذلك بوصفه نوعاً من التجديد.
إضافة إلى ذلك يجب تجنب الإفراط في تناول الطعام وخاصة الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات كما يفعل الكثير من الناس عند الاكتئاب؛ لأنَّ ذلك يتسبب حتماً بزيادة في الوزن وبدورها تتسبب في تقليل الثقة بالنفس فيزداد الأمر سوءاً؛ لذلك عليك اتباع نظام غذائي متوازن، وتجنب الممارسات غير الصحية كالتدخين أو شرب الكحول أو تعاطي المخدرات، فمعظمها ممارسات تنتج عن حالات نفسية سيئة، لكن يصبح من الصعب التراجع عن ممارستها عند الاعتياد عليها.
شاهد بالفيديو: 7 مبادئ لاستعادة التوازن في الحياة
7. إعادة تقييم الأسلوب والأهداف:
كثيراً ما تتسبب الصدمات النفسية في تغيير الروتين اليومي للحياة وفي تغيير السلوكات والتخلي عن الأهداف والطموحات؛ لذلك عليك الجلوس مع نفسك والتفكير ملياً بما تريد القيام به ووضع الخطط للوصول إلى الأهداف والتركيز على العلاقات الاجتماعية مع العائلة والأصدقاء لاستعادة الطاقة الإيجابية مجدداً.
في الختام:
الجرح النفسي أو الصدمات النفسية أمر جميعنا معرضون له نتيجة حوادث عامة كالكوارث الطبيعية والحروب أو حوادث خاصة كالتعنيف المنزلي أو فقد عزيز أو حوادث السير، وينتج عن الصدمات النفسية آثار سلبية من الصعب التخلص منها فقد تتسبب في تدمير حياة الفرد نهائياً.
لذلك يُعَدُّ التخلص من آثار الصدمة النفسية أمراً ضرورياً، ويمكن ذلك بالعلاج الطبي النفسي بمساعدة المتخصصين النفسيين بالاعتماد على طرائق عدة كالعلاج المعرفي أو بالتعريض أو بالمجموعات أو حتى بالأدوية، إضافة إلى اتباع نقاط عدة تساعد على التخلص من المشاعر السلبية كاللجوء إلى الأصدقاء والخروج في نزهات والاعتراف بالمشاعر جميعها حتى يتمكن الفرد من تقبلها.
كما أنَّ الابتعاد عن العزلة أمر ضروري لاسترجاع الطاقة الإيجابية، إضافة إلى الاهتمام بالنفس وتدليلها من خلال القيام بكل ما يحب الفرد، وتذكَّر دائماً أنَّ بذل الجهد والقيام بالنشاط البدني يساعد على تحسين المزاج والتخلص من الطاقة السلبية والاكتئاب والحزن وغيرها من المشاعر المؤذية للنفس.
أضف تعليقاً