ما هي الشخصية الانطوائية؟
يميل الشخص الانطوائي ليكون أكثر هدوءاً وتحفُّظاً من الآخرين؛ لذا يحب الاختلاء بنفسه، ويفضِّل التأمل الذاتي على النشاطات الاجتماعية؛ إذ تقع جميع شخصياتنا ضمن طيف يتراوح بين الانطوائية والاجتماعية والمعتدلة بينهما، لكن ماذا يعني كلٌّ منها؟ دعنا نتعرَّف إلى الفروقات بينها:
1. الشخصية الانطوائية:
يستمد صاحبها طاقته من قضاء الوقت مع نفسه، ويولي اهتماماً أكبر لمشاعره الداخلية، بدلاً من البحث عن مصادر إلهام خارجية، ويفضِّل العمل وحيداً، ومعالجة مشكلاته بعزلة مع نفسه.
2. الشخصية المعتدلة:
يمكن لصاحبها أن يكون انطوائياً أو اجتماعياً، بناءً على الموقف، وحالته المزاجية، والأشخاص المحيطين به؛ إذ يستطيع العمل ضمن فريق أو وحده ويعالج مشكلاته بعزلة أو بالتواصل مع المقربين.
3. الشخصية الاجتماعية:
يستمتع صاحبها بصحبة الآخرين، ويستمد طاقته من النشاطات الاجتماعية، ويسهل عليه الوجود مع أشخاص جدد، ويفضِّل العمل ضمن فريق، ومعالجة مشكلاته بالتواصل مع المقربين.
إن لم تكن متأكداً لأيِّ فئة تنتمي، فانظر إلى نفسك في المرآة، إذ تعكس وجوهنا شخصياتنا أكثر مما نعتقد؛ إذ يميل مظهر الشخص الانطوائي إلى الملامح الهادئة أو الخالية من التعابير، بينما تميل ملامح الشخص الاجتماعي إلى الابتسام والحيوية.
معظم الناس لا يعلمون أنَّ أنواع شخصياتنا تحددها جيناتنا؛ أي لا يمكننا اختيار لأيِّ شخصية ننتمي، ولا يمكنك أن تقرر فجأة أن تصبح اجتماعياً، ويشكِّل هذا الأمر عبئاً على كثير من الانطوائيين؛ إذ يدفعهم آباؤهم إلى المشاركة بالنشاطات الاجتماعية والاختلاط بالآخرين.
يقول خبراء العلاقات: "اصنع شبكة معارفك، وتعرَّف إلى أكبر عدد ممكن من الناس"، وإنَّ تشجيع الشخص الانطوائي ليكون اجتماعياً أكثر، مشابهٌ لتشجيعه على تجنُّب التصرف على سجيَّته، هذا يكفي، حان الوقت لتستثمر شخصيتك الانطوائية لمصلحتك، بدلاً من محاولة تغييرها.
هل أنت حقاً انطوائي؟
هل تشعر بأنَّ كلمة انطوائي لا تصفك بدقَّة؟
إن كنت تشعر بأنَّك انطوائي بالعموم فقط؛ أي ما زلت تفضِّل النشاطات الاجتماعية أحياناً، أو التواصل مع الآخرين، فمن المحتمل أن تكون من أصحاب الشخصيات المعتدلة؛ لذا انتبه إلى طباعك ورغباتك قبل أن تطلق على نفسك وصف انطوائي.
إن كنت انطوائياً بحق، تابع القراءة لتتعرَّف إلى نقاط قوتك:
1. ترى العالم من منظور مختلف ومذهل:
لدى الانطوائيين نظرة مختلفة إلى الحياة وهذه ميزة عظيمة، وتجربة "تذوُّق الليمون" الشهيرة خير دليل على ذلك؛ إذ قام الباحثون بتسجيل استجابة مجموعة من الأشخاص لمذاق الليمون ودراستها.
أوضح المدوِّن مايكل بوه (Michael Poh) نتيجة التجربة: "لقد وُجِدَ أنَّ إفراز اللعاب لدى الأشخاص الانطوائيين، استجابةً لمذاق الليمون اللاذع أشدُّ منه لدى الأشخاص الاجتماعيين، ويعزي الباحثون سبب ذلك إلى أنَّ الانطوائيين يتأثرون في المحيط بسهولة؛ لأنَّهم يمتلكون بطبيعتهم مستوى أعلى من الإثارة، وهذا ما يجعلهم يفضلون الأنشطة الأكثر هدوءاً، كالقراءة والكتابة، عوضاً عن حضور الحفلات، كما يفصلهم انشغالهم في عالمهم الداخلي عن الجموع، وتجعل هذه النزعة إلى الاختلاء بالنفس الانطوائيين شخصيات مميزة تقدِّم للعالم عطاء كبيراً يسهل على الآخرين تجاهله".
2. قوة الانطوائيين الخارقة:
تُظهر الدراسات أنَّ الشخصيات الانطوائية أكثر تواضعاً من الشخصيات الاجتماعية، والذي يُعدُّ صفة هامة وصعبة التعلم، ويرتبط التواضع بالرغبة في مساعدة الآخرين، مما يجعل الانطوائيين قادة ومديرين وأصدقاء رائعين.
شاهد بالفيديو: صفات الشخصية الانطوائية وكيفية التعامل معها
ما الذي يجعل الشخصيات الانطوائية قياديَّة بالفطرة؟
غالباً ما يجد الناس الجاذبية صفة تقتصر على الشخصيات الاجتماعية، إلا أنَّ للجاذبية أوجه كثيرة، وتُعدُّ معظم صفات الانطوائيين سمات مثاليةً للأدوار القيادية، والأسباب خلف ذلك هي:
1. الشخص الانطوائي دقيق الملاحظة:
أنت قادر على إدراك أدق تفاصيل الناس من حولك، وما يضمرون من مشاعر، إضافة إلى طريقة تفاعل أفراد المجموعة الواحدة مع بعضهم، أفضل من الجميع.
2. يميل الناس إلى الإنصات لكلامك:
إذ إنَّك تفكر جيداً قبل أن تتحدث، وتنتقي كلامك بعناية ما يحمل الآخرين لأخذه على محمل جدِّي، وإيَّاك أن تظن نفسك مُجبراً على خوض أحاديث تافهة أو الإدلاء بتعليقات تُرضي مسامع الآخرين، تحدَّث حين تجد نفسك مستعداً لذلك.
3. قوَّتك الهادئة مُعدية:
استثمر انطوائيتك استثماراً أفضل:
لا تدع أحداً يخبرك بضرورة الابتعاد عن الانطوائية؛ إذ إنَّها ميزة مذهلة، لا عيباً فيك، لكن من الهام أن يتعلَّم الأشخاص الانطوائيون تعزيز نقاط قوتهم من خلال النصائح الآتية:
1. تعلَّم كيف تستجمع قواك من جديد:
لديك مناسبة مرتقبة؟ ماذا عليك أن تفعل؟ عزِّز كل ما تعلمته من مهارات اجتماعية كي تبقي الأمور تحت السيطرة.
2. اعثر على الشريك الأمثل لمرافقتك:
هل سيساعدك أحد أصدقائك الاجتماعيين على الاندماج مع الحضور أم سيسيطر على الحديث دوماً؟ هل سيكون أحد أصدقائك الانطوائيين شريكاً جيداً أم سيمنعك من التعرُّف إلى أشخاص جدد؟ وهل يمكنك إيجاد شريك يوازن الأمور بشخصيته المعتدلة؟ اعثر على شريكك الأنسب في المناسبات المشابهة.
3. تدرَّب على مهارات لغة الجسد:
ربما لا تلاحظ ذلك، إلا أنَّ جسدك دائماً ما يوحي بشيء ما، حتى في لحظات صمتك، على الانطوائيين إتقان مهارات التواصل الجسدي في التعبير عن أنفسهم، وقراءة الإيحاءات المختبئة في لغة جسد الآخرين.
نصائح للانطوائيين في بيئة العمل:
بدأت الشركات في الآونة الأخيرة باستبدال مقراتها بمساحات عمل مفتوحة وشاسعة، وقد يشكِّل ذلك تحدياً للانطوائيين، وفي حديث مع المدوِّنة ذات الشخصية الانطوائية شيلي أودنوفان (Shelly O’Donovan) لإعطاء بعض النصائح الهامة للانطوائيين تحدَّثت عن دراسة أجراها الكاتب واختصاصي علم النفس البيئي نايجل أوسلاند (Nigel Oseland)، فقد أثبت أنَّ الشخصيات الانطوائية والشخصيات الانفعالية أكثر تأثُّراً بالضوضاء من غيرهم.
عندما سُئل المشاركون عن أثر الضوضاء في قدرتهم على العمل، أفادت ثلاثة أرباع الإجابات أنَّ الضوضاء في أماكن عملهم تؤثِّر فيهم تأثيراً سلبياً، بينما 10% فقط أفادوا أنَّ لها أثراً إيجابياً في أدائهم، إضافة إلى دراسات عدة توضِّح أهمية اختيار الشركات لأماكن عمل مناسبة لمختلف الشخصيات والأنشطة، فماذا عليك أن تفعل حيال ذلك؟
إليك أهم النصائح للانطوائيين في بيئة العمل:
1. اطلب المرونة في العمل:
إن كنت أحد المسؤولين في بيئة كهذه، حاول أن تؤمِّن مساحة من الحرية لجميع موظفيك؛ إذ لا يشعر الجميع بالنشاط والحيوية في بيئات العمل المشتركة، بعضهم يتشتت، ولا يمكنك التركيز على تحسُّن أداء بعض الموظفين، بينما يفقد بعضهم الآخر تركيزهم؛ لذا عليك أن تعي احتياجات الجميع، وإن كنت موظَّفاً، تحدَّث إلى مديرك واطلب بلباقة تحقيق قدر من المرونة واشرح ضرورتها.
يعتمد معظم الانطوائيين على التفكير، ويحتاجون إلى بيئة هادئة لتحليل الأمور وإنجاز عملهم، في حين أنَّ الاجتماعيين يشاركون أفكارهم علانيةً، وغالباً ما يناقشون أعمالهم قبل إنجازها، ممَّا قد يؤدي إلى معاناة الانطوائيين في بيئات العمل المشتركة ما لم تُوفَّر بعض المرونة لهم.
يمكن توفير المرونة بالعمل من المنزل أياماً محددة في الأسبوع، أو توفير مكاتب هادئة مخصصة لتلقي المكالمات الخاصة ودراسة المشاريع، أو بالسماح لهم باستخدام الموارد المتاحة خارج مكان العمل، فإحدى المؤسسات ذات البيئة المفتوحة توفِّر المرونة لموظفيها بالسماح لهم بالذهاب إلى المكتبة المجاورة عند حاجتهم إلى دراسة المشاريع، ليس طمعاً بالموارد التي توفرها المكتبة؛ وإنَّما لكونها مكاناً هادئاً.
2. اعتنِ بنفسك:
تحتاج الشخصيات الانطوائية وقتاً من الهدوء لتستجمع قواها، بينما تحتاج الشخصيات الاجتماعية إلى التواصل مع الآخرين لتقوم بذلك، وشخصيتك الانطوائية تحتاج إلى ذلك الوقت، ومن المرهق أن تقضي نهارك في بيئة عمل مشتركة، والعودة بعدها إلى منزل مزدحم، أو وظيفة ليلية؛ لذا أوجد لنفسك وقتاً للاسترخاء.
قد يعني ذلك العمل مدة ساعتين في مكان مفتوح، ثم أخذ استراحة مدة عشر دقائق في مقهى قريب لاستعادة نشاطك، أو إطفاء مذياع السيارة في طريق العودة والتمتع بالهدوء، أو قضاء استراحة الغداء بعزلة في سيارتك، اعتنِ بنفسك وأفسح لها المجال للاسترخاء.
3. بادِر بطلب وقت قليل هادئ:
قد يتسبب الضجيج في العمل بتشتيت انتباهك؛ لذا خصِّص بعضاً من وقتك للبحث عن مكان هادئ للعمل، إن استطعت الانعزال في مكان ما لساعة أو اثنتين تستطيع إنجاز كمية مدهشة من العمل؛ إذ إنَّك محاط بالهدوء والسلام الذي تحتاج إليهما للتركيز.
4. عدِّل ساعات عملك:
هل تستطيع العمل لساعة أو أكثر قبل بدء الدوام الرسمي أو بعد انتهائه؟ من المرجح ألا يؤذن لك بذلك، لكن إن استطعت، يمكنك بدء العمل في المكتب قبل ازدحامه، مما يوفر لك الهدوء الذي تحتاج إليه للتركيز.
5. لا تتناول غداءك في المكتب:
تحتاج إلى الاستراحة من بيئة عملك المزدحمة، ووقت الغداء فرصتك الأفضل؛ لذا تَنَاوُلُ غدائك مع صديق لك خارج المكتب يساعدك على الراحة والتركيز من جديد، أو تنزَّه قليلاً، أو اذهب في رحلة قصيرة في السيارة، واعثر على مكان هادئ واسترح وحسب؛ فالازدهار في أيَّة بيئة يأتي بالاعتناء بنفسك، ومن الهام أن تعي طباعك واحتياجاتك لتحقيق ذلك؛ لذا عاهد نفسك أنَّك ستجد حلاً لذلك.
كيف يمكن للانطوائيين التعبير عن رأيهم في الاجتماعات؟
هل تخشى الاجتماعات؟ يخشى الانطوائيون أحياناً ازدحام الاجتماعات، وما تتطلَّبه من قدرة على استحضار الأفكار المبدعة سريعاً ومشاركتها، واحتمال طلب رأيهم في أيَّة لحظة، وإجبارهم على المشاركة في نشاطات تلطيف الأجواء (رغم سهولتها).
النفور من الاجتماعات أحد أوضح نزعات الانطوائيين، قد يبدو ذلك مبرراً بحقيقة أنَّ مجموعة مهارات الشخص الانطوائي من تعامل فردي، والثقة في العمل وحده، ومهارات البحث والتأمُّل، لا تصلح في الاجتماعات، ومع ذلك، سيتعلم الانطوائي المحترف الاستفادة من هذه المهارات، ليس فقط في بيئته الطبيعية؛ بل في المواقف غير المريحة كذلك، مثل اجتماعات العمل.
شاهد بالفيديو: 10 وسائل لإنجاح الاجتماعات
عدم تعلُّم الطرائق المناسبة لإتقان التعامل في الاجتماعات، أمر يعوق تطورك المهني؛ لذا إليك بعض النصائح التي يقدمها كاتب المحتوى ذو الشخصية الانطوائية غرايم جون كول (Graeme John Cole) للانطوائيين في الاجتماعات:
1. كوِّن الآراء مسبقاً:
بصفتك انطوائياً، يجب أن تسعى إلى تحضير أفضل الأفكار قبل دخول غرفة الاجتماعات، وحاول أن تعلم محاور الاجتماع مسبقاً، وابحث في الموضوعات والإحصاءات التي ستُطرح للنقاش، وحضِّر بعض الأفكار والمقترحات عنها مسبقاً.
إن كانت لديك الثقة الكافية لشرح وجهة نظرك، ولديك الموارد اللازمة لدعمها، سيصبح من السهل عليك أن تسبق زملاءك إلى المشاركة.
2. كن أول الواصلين إلى غرفة الاجتماعات:
استجمع الثقة بنفسك بالتدرُّب على ما ستقول بصوت مسموع عوضاً عن إبقاء الأفكار في رأسك؛ راجع واشرح ملاحظاتك أمام صديق أو شريك، واحضر باكراً إلى الاجتماع كي تستطيع بناء الثقة مع زملائك كل على حدة عند وصولهم، عوضاً عن الخوف من اللحظة التي يلاحظك الجميع لأول مرة عندما تتحدث.
3. خذ الوقت الذي تحتاج إليه:
تستطيع تعزيز ثقتك بنفسك وترك أثر فعال في مخرجات الاجتماع إن شاركت أفكارك قبل الجميع، وحاول أن تحظى بفرصة التعريف عن محاور الاجتماع أو شرح بعضٍ من أبحاثك كتمهيد للجو العام للاجتماع، يمكنك تشكيل إطار عمل مشترك يشارك فيه زملاؤك بتطوير أفكارك، ابدأ قبل الجميع، لكن لا تسمح لأحد باستعجالك، فأنت بحاجة إلى ترتيب أفكارك، وفي حال شعرت بضغط أحد الزملاء عليك لتقديم إجابة حيال ملاحظة على أفكارك إيجابيةً كانت أو سلبية، تفادَ الإجابة قبل أن تكون جاهزاً، فقد تواجه عواقب كارثية.
4. اطلب مزيداً من الوقت عند الحاجة:
إذا استُعجلت في إبداء رأيك، نوِّه بهدوء أنَّك بحاجةٍ إلى لحظة للتفكير، أو أنَّك ستعود إليهم بجواب قريباً، أو تحتاج إلى النظر في الأمر بعد الاجتماع.
5. تابع بعد الاجتماع:
لا تنتهي مهمتك بانتهاء الاجتماع، فأنت انطوائي، أليس كذلك؟ لديك عمل هام يجب القيام به بنفسك في مكتبك، يمكنك الاستفادة من حاجتك إلى تأجيل ردودك على ملاحظات زملائك بإرسال رسائل التذكير ورسائل البريد الإلكتروني للمتابعة معهم عند الحاجة.
لا تعتد على تأجيل أفكارك حتى ينتهي الاجتماع، لكن إن ساعدك القليل من البحث بعد الاجتماع على توضيح وجهة نظرك توضيحاً أفضل، فشاركها بكل الوسائل، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت لاستيعاب الملحوظات الجديدة من الاجتماع؛ لذلك إذا أشار أحد الزملاء إلى نقطة وجدتها مثيرة للاهتمام، ففكِّر في الاجتماع معه على انفراد لتطوير الفكرة تطويراً أكبر.
في الختام:
تذكَّر: لا وجود لنوع شخصيات جيد وآخر سيئ، الهام أن تستثمر نقاط قوتك الطبيعية، وانطوائيتك نعمةٌ، فلا تنسَ ذلك.
أضف تعليقاً