يمكن للشعور بالذنب والندم والعار أن يؤجج نيران الاكتئاب ويساهم مساهمة كبيرة في الانسحاب الاجتماعي والاغتراب؛ لذا قد يساعدك الفهم الأفضل لماهية هذه المشاعر وعلاقتها ببعضها بعضاً على التحكم فيها بشكل أفضل وحتى تحريرك من أعبائها.
1. التباس في تعريف المشاعر:
إذا قرأت بعض الأبحاث والدراسات النفسية، فستجد مناقشات محيرة بشأن الشعور بالذنب والندم والعار، ويبدو أنَّنا وقعنا فريسة لقبول تأكيد "هامبتي دمبتي": "عندما أستخدم كلمة، فهذا يعني فقط ما أختاره، ولا يعني أكثر ولا أقل"، ولتوضيح الالتباس المحيط بالذنب والندم والعار، دعنا ببساطة نعتمد على التعريف لمساعدتنا على التوضيح والتمييز، فالشعور بالذنب ببساطة هو الإيمان بالذنب أو المسؤولية عن بعض الجرائم المتصورة أو المخالفات، وهناك أربعة أنواع من الذنب:
- الشعور بالذنب لفعل شيء لا يجب أن تفعله.
- الشعور بالذنب لعدم فعل شيء يجب أن تفعله.
- الجرم بالتبعية.
- ذنب الناجي (أحياناً ما يتعرض له الناجون من الحوادث، والناجون من العنف، والعسكريون).
2. الندم والعار والقلق:
الندم:
هو النتيجة الطبيعية المتكررة للشعور بالذنب، ويمكن أن يكون الندم استجابة طبيعية وصحية للشعور بالذنب، وينطوي على قبول المسؤولية عن بعض الجرائم المتصورة أو المخالفات، وغالباً ما يرتبط بأفكار التوبة ويؤدي إلى إجراءات تصحيحية لاحقة وإجراءات وقائية في المستقبل؛ لذا فالندم ليس بالضرورة أن يكون أمراً سيئاً، إلا إذا أدى إلى العار أو الخزي.
العار:
هو القلق والضيق الذي غالباً ما يرتبط بالذنب، وينطوي على الإذلال أو فقدان الشرف والاحترام، كما يمكن للعار أن يأخذ أيَّة حادثة مؤسفة ويحوِّلها إلى كارثة، فالعار لا يمكن أن يكون جيداً؛ وذلك لأنَّه لا يخدم أي غرض مفيد، ولقد بدأ الباحثون في أوائل التسعينيات مشروعاً بحثياً امتد 30 عاماً، وكان هدفهم الأول هو اكتشاف العوامل التي ساهمت مساهمة كبيرة في الإرهاق النفسي والأمراض الجسدية المرتبطة بالتوتر.
بعد جمع بيانات المسح وتحليلها طوال عقود، وباستخدام الأساليب الإحصائية مثل تحليل العوامل ونمذجة المعادلات الهيكلية، توصلوا إلى اكتشاف مذهل (سميث، إيفرلي، هايت، 2012)، ولقد وجدوا أنَّ القلق (القلق المتكرر) كان عملية نفسية سامة جداً التي كانت جوهر ما نسميه الإجهاد، وقد وجدوا أنَّ القلق كان السبب الأساسي في عدد لا يستهان به من الأمراض والاضطرابات النفسية.
شاهد بالفديو: 6 أمور يحتاجُها الناس لتحسين صحتهم النفسية
3. السيكوباتيون وعلامات استفهام:
عندما نسمع كلمة مختل عقلياً يتبادر إلى الذهن بعض الأشخاص المخيفين، وفي الحالات الشديدة يمكن أن يرتبط الاعتلال النفسي بالتعذيب والقتل والتجاهل التام لسلامة الآخرين، ومع ذلك فإنَّ السؤال المفتوح هو لماذا لا يُظهر السيكوباتيون التعاطف أو الندم على المعاناة التي يسببونها للآخرين؟
أحد الاحتمالات هو أنَّ لديهم وعياً عاطفياً منخفضاً؛ وبمعنى آخر يمكن أن يفشلوا في إظهار التعاطف لمجرد أنَّهم لا يدركون أو لا ينتبهون لما يشعر به الآخرون؛ أي إنَّهم قد لا يتعرفون إلى مشاعر الآخرين أو لا يفهمونها، ولكنَّ الاحتمال الآخر هو أنَّهم لا يهتمون أصلاً؛ وبمعنى آخر قد يكونون مدركين لمعاناة شخص آخر، ولكنَّهم ببساطة لا يشعرون بأيَّة رغبة في مساعدتهم، وربما يستمتعون بها.
4. لم تكن الإجابة بسيطة:
في دراسة حديثة حاولت الإجابة عن هذا السؤال من خلال قياس كل من الوعي العاطفي والميول السيكوباتية لدى نفس الأفراد، فقد سمح هذا باختبار ما إذا كانت الدرجات الأعلى للاعتلال النفسي مرتبطة بانخفاض درجات الوعي العاطفي، أو ما إذا كان الأفراد المصابون باعتلال نفسي عالٍ على دراية بالعواطف مثل أي شخص آخر، فماذا وجدت الدراسة؟ كما هو الحال غالباً في أي بحث لم تكن الإجابة بسيطة بـ "نعم" أو "لا"؛ إذ يبدو أنَّه يعتمد على ما إذا كان الفرد قد تعرَّض لسوء المعاملة في مرحلة الطفولة أو الإهمال.
5. السيكوباتيون وعي عاطفي مرتفع أم منخفض؟
قبل إجراء الدراسة لم يكن الباحثون متأكدين مما قد يجدونه؛ هذا لأنَّ بعض السمات السيكوباتية تشير إلى وعي عاطفي مرتفع، بينما يشير بعضهم الآخر إلى وعي عاطفي منخفض، على سبيل المثال يمكن أن يكون بعض السيكوباتيين جذابين للغاية ومتلاعبين، وهذا يشير إلى أنَّهم يعرفون كيف يشعر الآخرون ويجيدون استغلال تلك المعرفة لتحقيق أهدافهم الخاصة، كما يمكن لهؤلاء الذين يطلق عليهم "السيكوباتيين الناجحين" أيضاً الوصول إلى مناصب قيادية تتطلب مهارات اجتماعية وعاطفية عالية.
من ناحية أخرى يواجه العديد من السيكوباتيين صعوبة في الانتباه إلى الأشياء التي لا تساعدهم على خدمة أهدافهم الأنانية، لذلك قد تعتقد أنَّهم ببساطة غير مدركين لمشاعر الآخرين بسبب قلَّة الانتباه؛ إذ يُظهر السيكوباتيون سمات أخرى مرتبطة بالوعي العاطفي المنخفض أيضاً مثل الاندفاع وقلة التفكير.
لكن يوجد أيضاً احتمال ثالث وهو أنَّ بعض أنواع السيكوباتية مرتبطة بوعي عاطفي منخفض، في حين أنَّ بعضهم الآخر ليس كذلك، وعلى الرغم من أنَّه لم تتم مناقشته كثيراً، إلا أنَّ علماء النفس يميزون في الواقع بين نوعين من السيكوباتية؛ ما يسمى بالاعتلال النفسي "الأولي" و"الثانوي"، ويكمن الاختلاف الرئيس بين هذين النوعين من السيكوباتية في كيفية اكتساب السمات الشخصية المريضة.
6. الأنماط النفسية السيكوباتية:
قد يكون الأشخاص المصابون بالاعتلال النفسي الأولي قد وُلدوا بهذه الصفات، وبعبارة أخرى قد يكون لديهم جينات تعزز سمات الشخصية السيكوباتية، ولا يوجد حدث معين جعلهم يبدؤون بالتصرف بالطريقة التي يتصرفون بها، وفي المقابل قد يكون سبب الاعتلال النفسي الثانوي هو صدمة الطفولة مثل سوء المعاملة أو الإهمال.
بعبارة أخرى قد تتطور الميول السيكوباتية لدى هؤلاء الأفراد استجابةً للأحداث الصادمة بوصفها آلية للتكيف، ولكي نكون واضحين فإنَّ الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يعانون من صدمات الطفولة لا يصبحون مضطربين نفسياً، لكن يبدو أنَّ هذا يحدث في بعض الأحيان.
7. السيكوباتية الأولية مقابل الثانوية:
يُظهر الأشخاص المصابون بالاعتلال النفسي الأولي والثانوي أيضاً اختلافات سلوكية هامة، على سبيل المثال يميل الأفراد المصابون بالاعتلال النفسي الأولي إلى أن يكونوا أكثر نجاحاً اجتماعياً وخداعاً وتلاعباً، وتبدو استجاباتهم العاطفية تجاه الآخرين ضعيفة.
في المقابل يمر الأشخاص الذين يعانون من اعتلال نفسي ثانوي بتجارب عاطفية سلبية شديدة مثل الغضب والإحباط، ويظهرون قدراً أكبر من المخاطرة والاندفاع والتفكير السريع والسلوك الإجرامي العنيف والمعادي للمجتمع، وغالباً ما ينتهي بهم الأمر في السجن، وعند التفكير في هذه الاختلافات قد نعتقد أنَّ الاعتلال النفسي الثانوي من المرجح أن يتضمن وعياً عاطفياً منخفضاً.
لدراسة هذا الاحتمال جمعت الدراسة أيضاً معلومات حول ما إذا كان الأفراد قد تعرضوا لسوء المعاملة في مرحلة الطفولة، وما إذا كانوا قد شعروا بمشاعر سلبية شديدة، وما إذا كانوا قد أظهروا سمات وسلوكات أخرى تتفق مع الاعتلال النفسي الأولي مقابل الاعتلال النفسي الثانوي.
8. دور إساءة معاملة الأطفال وإهمالهم:
أظهرت النتائج التي توصلت إليها الدراسة أنَّ الوعي العاطفي كان أقل لدى الأشخاص الذين لديهم ميول سيكوباتية أقوى، لكن فقط إذا تعرضوا للإساءة أو الإهمال في مرحلة الطفولة، وقد أشارت هذه النتائج وغيرها إلى أنَّ الوعي العاطفي كان أقل فقط لدى أولئك الذين يعانون من اعتلال نفسي ثانوي، وعلى النقيض من ذلك ما يزال العديد من الأشخاص المصابين باعتلال نفسي أولي - أي اعتلال نفسي دون صدمة الطفولة - يظهرون مستويات عالية من الوعي العاطفي.
تساعد هذه النتائج على فهم جوانب معينة من السيكوباتية التي قد تبدو متناقضة، على سبيل المثال قد يتساءل المرء كيف يمكن للمريض النفسي أن يكون ماهراً في التلاعب بمشاعر الآخرين، لكن في الوقت نفسه غير مدرك لتلك المشاعر؛ إذ تشير الدراسة إلى أنَّ هذين الأمرين ربما لا ينطبقان على أي مريض نفسي واحد.
قد يكوِّن أحد أنواع السيكوباتيين وعياً عاطفياً عالياً، وقد يساعدهم هذا بلا رحمة على "التلاعب بالآخرين في طريقهم إلى القمة" والوصول إلى مناصب هامة من خلال الجذب والخداع (السيكوباتية الأولية)، بينما نوع آخر من السيكوباتيين قد يكون لديهم وعي عاطفي منخفض ويتصرفون بناءً على عواطفهم دون التفكير بها، ويتخذون خيارات محفوفة بالمخاطر أو اندفاعية تؤدي بهم إلى السجن (السيكوباتية الثانوية).
شاهد بالفديو: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية
9. هل تعرف مختلاً عقلياً ناجحاً؟
ترتبط النتائج التي توصلت إليها الدراسة مع أبحاث أخرى لتسليط الضوء على الطرائق التي يمكن أن ينتج عنها انخفاض الوعي العاطفي في الاعتلال النفسي الثانوي من خلال التأثير في عمليات التعلم المبكر، فإذا تُرك الطفل وحده طوال اليوم (إهمال الوالدين)، أو إذا كان غالباً ما يلاحظ عليه الغضب والشعور بالخوف أو الخجل (في سياق إساءة المعاملة)، فمن المتوقع أن يواجه صعوبة في فهم المشاعر؛ هذا لأنَّه ببساطة لن يتمكن من رؤية وتجربة مجموعة واسعة وكافية من المشاعر بنفسه ولدى الآخرين للتعلم منها.
دعماً لهذه الفكرة أظهرت دراسة سابقة أنَّ الوعي العاطفي كان أقل لدى الأشخاص الذين تعرضوا للإساءة أو الإهمال، وفي ضوء ذلك قد يتم اكتساب القليل من التعاطف عند الأفراد المصابين باضطراب نفسي ثانوي؛ وذلك لأنَّ سماتهم غير المرغوب فيها قد تنبع إلى حد كبير من "سوء الحظ" مع سوء الأبوة والأمومة ونقص فرص التعلم الاجتماعي والعاطفي.
في الختام:
من الهام أن تضع في حسبانك أنَّ هذه كانت مجرد دراسة واحدة وأنَّها جندت مشاركين متطوعين كان لدى بعضهم درجات عالية من السيكوباتية، لكن هذا ما يزال مختلفاً عن دراسة السجناء أو رجال الأعمال الذين لا يرحمون، فهناك حاجة إلى مزيد من البحث للتأكد من أنَّنا سنرى نفس النمط عند دراسة هؤلاء الأفراد، ومع ذلك من المفيد أن نسلط الضوء على علاقة السيكوباتية مع التعاطف والوعي العاطفي وكيف يمكن أن تؤدي إساءة معاملة الأطفال إلى هذه الأنماط السلوكية الخطيرة، وقد يكون استكشاف طرائق لتحسين الوعي العاطفي لدى الأفراد المصابين باعتلال نفسي ثانوي - كما هو الحال في بعض العلاجات النفسية - هاماً أيضاً لأنَّنا نبحث عن طرائق لتقليل تأثيره السلبي.
أضف تعليقاً